الصحة النفسية طريق لبناء قدوة صالحة في المجتمع يتمتع صاحبها بالحكمة والإتزان الإنفعالي
مشاهدة جميع المقابلات
186
أعزاءنا الأفاضل باسمكم نرحب بسعادة الأستاذ الدكتور/ السعيد دردرة – أستاذ علم النفس ومستشار نفسي بمنصة المستشار الإليكترونية، ويسعدنا قراءتكم لهذا الحوار مع سعادته شاكرين ومقدرين لسعادته إتاحة هذه الفرصة.

1-مستشارنا الكريم بداية نأمل منكم تعريف الزائر الكريم بكم وبنبذة مختصرة عن سيرتكم الذاتية العطرة.

أهلا بكم، وممتن جدا للتواصل معكم. أنا عضو هيئة تدريس في قسم علم النفس في كلية الآداب -جامعة المنيا بمصر. ولقد تدرجت في ذات القسم من معيد إلى محاضر إلى أستاذ مساعد، ثم أستاذ مشارك، فأستاذ في التشخيص والإرشاد النفسي. ولقد بُعثت بعد الدكتوراه إلى قسم علم النفس الإرشادي بجامعة ميزوري (UMKC) بـأمريكا كباحث زائر 2009-2011. وأنا عضو في رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية، وجمعية علم النفس الأمريكية APA وحصلت على شهادة TOT ومدرب معتمد (في مشروع باثواي-مصر بجامعتي القاهرة والمنيا. وفي مجال الإشراف العلمي، فقد أشرفت (بالاشتراك) على 4 رسائل دكتوراه و6 رسائل ماجستير في مجال الشخصية وعلم النفس الاجتماعي والإرشادي. وفي مجال النشر العلمي، فقد ألفت كتاب بعنوان “سيكولوجية الفئات الخاصة" منشور بالمركز القومي المصري للتعليم الإليكتروني، ولي عدة أبحاث علمية منشورة في مجلات محلية ودولية Scopus و ISI ( Q2 ) . ومن مجالات اهتماماتي الحالية: الإرشاد والدعم النفسي والصحة النفسية وقيادة التغيير- علم النفس الإيجابي -علم النفس السيبراني.

2- في أثناء استعراض مؤلفاتكم ونتاجكم العلمي وقع نظرنا على مصطلح - غريب نوعاً ما!! - النوموفوبيا أو رهاب الهواتف الذكية وعلاقته بالبحث الحسي والقلق الاجتماعي! فنرجو منكم التلطف بالحديث عن هذا الموضوع بشيء من الإيضاح؟

نعم... فلقد كنت من أوائل الباحثين الذين تناولوا هذا المصطلح 2016م وبداية يدل المصطلح على "الرهاب أو الخوف المصاحب لفقد الجوال"  No Mobile Phobia وترجع قصة البحث حيث كنت وقتها أعمل أستاذا مشاركا ومديرا لوحدة التوجيه والإرشاد بالكلية الجامعية بالقنفذة، وقد لاحظت على طلابي في ذلك الوقت - ظاهرة متزايدة الانتشار في المحاضرات، في الطرقات وفي الجلسات ألا وهي الشغف الكبير والالتصاق الشديد بالجوال وجعله متصلا بالإنترنت، فقمت بعمل استطلاع رأي مفتوح وكان السؤال المحوري فيه حول : كيف سيكون شعورك لو فقدت الجوال؟ والمفاجئة أنني تلقيت استجابات عدة مبالغ فيها من الطلاب (مثل: أشعر وكأنني ميت! ، أشعر بالانفصال عن الواقع !، أشعر بالتوهان ....إلخ ) فأجريت دراسة لاستكشاف ظاهرة النوموفوبيا وتصميم مقياسا لقياس هذا السلوك وعلاقتها بالبحث الحسي والشغف بالبحث عن المعلومات، والقلق المحتمل من ضياع معلومات الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي وأرقام الجوالات والمعلومات المهمة المخزنة بالجوال. ولاقى البحث اهتماما ملحوظا وتم نشره في مجلة دراسات مجلد 26 الصادرة عن رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية. وما زال البحث موصولا لهذه الظاهرة وآخر ما قرأت عنها حديثا مناقشة رسالة ماجستير بجامعة الملك سعود في 1 /12 / 1444هــ الحالي.

3-سعادة المستشار الدكتور/ السعيد دردرة - سبق وأن قدمتم ندوة بعنوان : القدوة وتعزيز الصحة النفسية. حبذا لو تحدثتم قليلاً حول هذا الموضوع المهم هذه الأيام.

في الواقع أنا ممتن جدا لكم ولأسئلتكم المهمة التي تعيد إلى ذاكرتي أحداثا غالية على قلبي فلقد قدمت هذه  الندوة في الكلية الجامعية بالقنفذة عام 2017م تقريبا وكانت شراكة بين الكلية ومركز إيلاف للتنمية الأسرية بالقنفذة استجابة لمبادرة مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل-كيف نكون قدوة- وهي مبادرة تهدف إلى بناء الإنسان وكان من الطبيعي أن أتحدث عن دور الصحة النفسية الإيجابية في تنمية وتعزيز القدوة لدى الشباب. وكيف أن التمتع بمستوى عال من الصحة النفسية يؤهل الشخص لأن يكون قدوة لغيره وبخاصة عندما يتمتع بالحكمة والاتزان الانفعالي، والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات الصائبة في المواقف الضاغطة.

4-ما زال هناك مشكلة - لدى بعض أفراد المجتمع – وهي التخوف من عرض مشكلته النفسية أو حتى زيارة الطبيب النفسي.! ما هي وجهة نظركم في هذا الموضوع وكيف يمكننا تجاوز هذا التصور السلبي؟

أرى أن الشعور بوصمة الاضطراب النفسي في مجتمعاتنا تمثل عائق كبير في حركة تطور الخدمة النفسية وتقديمها لقطاع كبير من المجتمع، لكن من حسن الحظ أن هذه المشكلة ترتبط بحركة التحضر وكذلك ترتبط بالإعلام الهادف في المجتمع ( أقصد أن مشكلة وصمة الاضطراب النفسي تكثر في القرية أو "الديرة" مقارنة بالمدينة ) فمع تزايد حركة الانتقال من "الديرة" إلى المدينة تقل الوصمة النفسية ( كأنها علاقة عكسية) وكذلك مع تطور حركة الإعلام الهادف الذي يقدم الإعلان العلمي الصحيح عن الخدمة النفسية وما يتعلق بها من حيث التوعية بالفرق بين الطبيب النفسي من ناحية، والمعالج / الإخصائي النفسي من ناحية أخرى. وكذلك التوعية بضرورة التعامل مع الاضطراب النفسي بنفس القدر من الاهتمام والتسامح والقبول للمرض العضوي ...إلخ. فإذا تحقق ذلك فسوف ينخفض الشعور بالوصمة النفسية ( أي العلاقة هنا علاقة طردية ).
وبكل موضوعية، فإن ما تشهده المملكة الآن وفي ظل رؤية 2030 وبخاصة في مجال تطوير الخدمة النفسية في المجتمع سواء على المستوى الواقعي أو الافتراضي ينبئ بحق عن مستقبل باهر ومبشر في تحقيق أعلى معدلات الهناء النفسي والحياة الطيبة Well-Being  .   

5-ما هي نصيحتكم سعادة المستشار - للشباب والفتيات الراغبين في الدخول في مجال الطب النفسي؟ وخاصة أنكم من رواد هذا المجال الأكاديمي.؟؟

في البداية يجب أن تفرق بين مجالي الطب النفسي وعلم النفس.  فالطب النفسي؛ هو دراسة طبية في الأساس حيث يدرس الطالب بكالوريوس الطب والجراحة، ثم يتخصص في الدراسات العليا في الأمراض النفسية والعصبية. ومن ثم ومن وجهة نظري الشخصية أرى أن معظم -وليس كل- من يتخرج من الأطباء النفسيين يكون جلّ اهتمامه بالتسرع بداية بالعلاج الطبي ( الأدوية ) للاضطرابات النفسية دون أن يعطي الفرصة لدراسة الحالة الإكلينيكية التشخيصية للمريض والتي يمكن أن ترشح له أنواع أخرى من العلاجات النفسية- غير الأدوية- تلك العلاجات والتشخيصات التي تركز على المشكلات النفسية والاجتماعية العميقة في شخصية المريض.

أما مجال علم النفس فيتخصص الطالب في دراسة الشخصية والتشخيص النفسي وفنيات العلاج والإرشاد النفسي طوال الأربع سنوات في بكالوريوس علم النفس، ثم يتخصص أكثر وأكثر في الدراسات العليا . ومن ثم فيكون لديه حس إكلينيكي أكثر وسعة صدر أوسع للاستماع المريض النفسي والتعرف على مشكلاته النفسية والاجتماعية والمهنية والتي ربما تختبئ فيها سبب الاضطراب النفسي وبمجرد التعرف على السبب وما يصاحبه من صراعات نفسية والعمل على حله ، يزول الاضطراب النفسي تدريجيا.
وهنا أنصح المشتغلين في المجال النفسي عموما أن يكون العلاج النفسي من خلال فريق عمل يتضمن الطبيب النفسي والمعالج/والأخصائي النفسي /الاجتماعي، لكي يقدم كل منهم أفضل ما لديه للمريض النفسي.

6-سعادة المستشار الدكتور/ السعيد دردرة - لفت نظرنا ونحن نستعرض خبراتكم العلمية والأكاديمية اهتمامكم بما يُطلق عليه بــ" الإرشاد السيبراني ". هلا وضحت للقارئ الكريم هذا المصطلح الجديد بشيء من الإيجاز؟

يمثل الإرشاد السيبراني أو الإرشاد الرقمي أهم تطور في حركة العلاج النفسي في الوقت الراهن وهو يشير إلى استخدام الأدوات والمنصات والأجهزة الرقمية في تقديم الإرشاد السلوكي والمعرفي من حيث صياغة برامجه، وتقديم فنياته، وتمكين آليات الاشراف والتدريب على ممارسته. وتجدر الإشارة إلى تسارعت حركة الإرشاد الرقمي أثناء وبعد جائحة "كورونا" وما زال التطور مستمرا وبخاصة في ظل التطور التقني الراهن مثل إنترنت الأشياء والميتافيرس وتعزيز الواقع الإقراضي ونظارات جوجل ... ألخ فكل هذه التطورات التقنية أصبحت تستخدم بالفعل في تطور حركة الإرشاد السيبراني في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وبخاصة في علاج اضطرابات ما بعد الصدمة للجنود وعلاج المخاوف والقلق من خلال تطبيقات إليكترونية تثبت على الجوال وفي معامل افتراضية مخصصة لهذا الغرض. ولا شك أن هذا التطور في الإرشاد السيبراني ما زال تحت التقييم من حيث الممارسة والمواثيق الأخلاقية المهنية .

7-سعادة المستشار الدكتور/ السعيد دردرة – لعلكم لمحتم حرص حكومتنا الرشيدة المملكة العربية السعودية قبلاً، وفي الآونة الأخيرة خصوصاً؛ الحرب على آفة تدمر المجتمع ألا وهي آفة المخدرات! فما هي توجيهاتكم كمستشار نفسي أكاديمي متخصص في مجال علم النفس – للأسر بشكل عام ولرب الأسرة بشكل خاص للحفاظ على كيان الأسرة وأفرادها من هذه الآفة؟

ليس ثمة شك في أن ما تقدمه المملكة من مجهودات وخدمات طبية حكومية عالية المستوى ومبادرات وجمعيات أهلية لبناء الإنسان وتنمية الأسرة وخلق مجتمع حيوي يضع أمامنا مسؤولية كبيرة للحفاظ على هذه المكتسبات. فيجب على كل فرد في المجتمع أن يحمل أمانته بكل قوة وإخلاص والتي تتمثل في المسؤولية الفردية والمسؤولية الاجتماعية. فأما عن المسؤولية الفردية فهي حماية الشخص نفسه ورعاية لذاته Self-Care أي تجنب كل ما يحدث خللا في وظائفه النفسية والعقلية من مخدرات أو كحوليات أو حتى مقدماتهما مثل التدخين. وأما المسؤولية الاجتماعية، فتتمثل في رعاية الشخص من يعول ( أقصد الأبناء) فيجب على كل أب أن يندمج أكثر مع أبنائه ويستمع لهم، ويكون يقظا وحازما وقائدا ومتتبعا -بشكل غير مباشر- أي تغير في سلوك أبنائه -ولا أبالغ لو قلت وفي سلوك أصدقائه كذلك- من حيث الوعي بأعراض الإدمان (مثل: ثقل اللسان أثناء الكلام على غير العادة، واحمرار العينين دون سبب طبي، اختلال الساعة البيولوجية للنوم مع كثرته ، فقدان أشياء ثمينة من البيت، اختلال إيقاع الانفعالات ..الخ) ولا يختزل دوره في توفير المال للأسرة ويترك كل مسؤولية الأبناء على الأم. فوجود الأب له قيمة كبيرة في استقامة سلوك الأبناء. 

8-نحن في منصة المستشار الإليكترونية كثيراً ما تردنا استشارات تربوية من أبناء وحتى آباء وأمهات يعاونون من قضية التنمر! سعادة المستشار الدكتور/ السعيد دردرة – كيف يستطيع الفرد حماية نفسه وخاصة الأبناء من هذه الظاهرة؟

التنمر سلوك غير سوي ومرفوض دينيا وإنسانيا ، وكما ذكرتم تتنوع أشكاله في مجالات الحياة المختلفة في المدرسة وفي البيت وفي العمل وفي الشارع، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أخطر أشكال التنمر هو التنمر الخارجي على الوطن. ولمكافحة التنمر فيجب أن ننشئ الأبناء على السلوك التوكيدي، والسلوك الإيجابي والتعاون على البر والتقوى ورفض السلبية، ورفض العدوان غير المبرر( التربية الإيجابية)، والتحقق من مصادر الخبر والمعلومات قبل نشرها، وتوقيف الإشاعات، وعدم الانسياق مع جماعات الإنترنت غير المعروفة.

9-نرجو منكم يا سعادة المستشار الدكتور/ السعيد دردرة – الحديث بإيجاز عن تجربتكم الطيبة عنا في منصة المستشار؟

الحديث عن تجربتي مع منصة المستشار تجربة ثرية وممتعة ففي كل استشارة أتعلم وأتألم في الوقت نفسه، أتعلم وأقرأ وأسأل حول التشخيص والإرشاد السلوكي المناسب، وأتألم لأنني أدرك معاناة جديدة، وأتعاطف مع صاحبها لأحاول جاهدا رفع المعاناة الإنسانية عنه.

10- كلمة أخيرة لكم تودونها في نهاية هذه المقابلة الطيبة وفقكم الله تعالى؟

أسأل الله العون في رفع المعاناة النفسية عن كل متألم، وأن ينفع بما أقدمه. وجزاكم الله خيرا وكل القائمين على هذه المنصة المباركة.
تقييم اللقاء
مشاركة اللقاء
تعليقات حول الموضوع
استشارات سابقة

مقال المشرف

أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه

الحمد لله الذي جعل هذا الدين منارًا للسالكين، وشرع لنا من التعاليم ما هو رحمة للعالمين، وأشهد أن لا ....

شاركنا الرأي

ما رأيك في منصة المستشار بشكلها الجديد؟

استطلاع رأي

هل تؤيد الاستشارات المدفوعة ( بمقابل مالي )؟

المراسلات