الرد على الاستشارة:
نُرحِّبُ بكِ أُختَنا الكريمة في موقع المُستشار؛ وُنثمِّنُ لكِ ثقتَكِ في الموقع، ونسألُ الله لك التَّوفيق، والإعانة.
أرشد الله الزَّوجين إلى التَّعامُل الحسن الذي يكفل-بعون الله- استقرار الحياة الزَّوْجِيَّة، قال الله تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، [النِّساء: 19]، وقال سُبْحَاْنَهُ: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾،[البقرة: 228]. أي أنَّ على الزَّوْجَة من الحُقوق، والواجبات مثل ما لها، فإذا أدَّى كلٌّ من الزَّوجَين واجباته انتظمت الحياة الزَّوْجِيَّة، و استقامت الأمور.
بالنسبة لما ذكرتِ في رسالتكِ، ما دار، و يدُور في حياتك الزَّوْجِيَّة من مشاكل، فهذا الأمر يَحدُث في كثير من البيوت، وهو أمر طبيعيّ ، و سنَّة من سُنن الحياة الزَّوْجِيَّة، وهو من شأن هذه الحياة التي لا تخلو من كدر، أو تعب، فالحياة ليست خالية من المشاكل، و يَجِبُ أن نعلمَ أنَّ الشَّخْص المخطئ عَلَيْهِ أن يتجنب أخطاءه، و أَن يُعالجها قدر الإمكان، والعلاقة الزَّوْجِيَّة طريق، يجبُ عليكما السير فيه سوياً، و تأقلمي مع هذه المُشْكلَة، وضعيها في إطارها الطبيعي، و ثقي أَنَّ ما حَدث أمرٌ عابرٌ لا يستحقُّ كُلَّ هَذَا التَّصرف، وردة الفعل التي قمتِ بِهَا، وفكري بحلول ذكيَّة، للوصول إلى حياة سعيدة مبنية على قاعدة صلبة، لعلنا أن نُساعدك- بإذن الله تَعَاْلَى- بعدد من النقاط المُهِمَّة في هذا الشَّأن.
لا تكوني حسَّاسة لأيّ كلام يُقال، ما دام في دائرة القول، فالحساسيّة في مثل هذه المواقف تُفاقم المُشْكلَة، وتزيد من البُعد، وسوء الفهم بين الزَّوجين، فالابتعادُ عن الحسَاسيَّة يُعيد زوجك إلى دائرة التَّوازن، والثِّقة، والاهتمام بك من جديد، و بالنِّسبة لما حصل لك مِن تصرُّف زوجك، و ردَّة فعله فَهذا أمر قد قدَّره الله -سُبحانه وتعالى-، ولا بُدَّ مِن الصَّبرْ، وهل الحياة الزوجية تتم بلا صبر؟
هناك تفاوت في الشَّخْصِيَّات، وعلى الأخص بين الرَّجُل، والمرأة، فكل منهما له سمات تُميِّزُه عن الآخر، وفهم الشَّخصَّية من الأمور المُهَّمة في إدارة الحياة الزَّوْجِيَّة، حيث إنَّها تضُمّ كافَّة السِّمات المؤثِّرة على مسار الحياة، ولا بُدَّ من فهم نمط، وأسلوب الشَّخصيَّة وعدم فهمها يُعتبر من العقبات التي لها أثرٌ في الخلافات؛ فلن يكون شريك حياتك مرآة يُشبهُك، أو يُقاربُك في الصفات، فالأصل هو الاختلاف. رَّبما أنَّ زوجَك يُظهر حُبَّك من خلال العطاء، و الإنفاق ولا يُحِبُّ الكلام، أو الاهتمام العاطفي، و قد يُحِبُّ ويقدِّر ما تقومين به، وقد لا يُظهر ذلِكَ لكِ، ولا يمكن لأحد أن يقرأ العقول، والأفكار، ولكن يلاحظ التَّصرفات، ويحكم بِنَاءً عليها.
عندما تغيب الحكمة يتمحور الصِّراع حول إثبات الذَّات، والانتصار للنَّفس، ويؤدي هذا إلى الإساءة، وتبادل الاتهامات، وزيادة التَّوَتُّر، ويبدأ التهديد، مثل ما حصل لكِ حيث قام بتهديدك بالزواج بامرأة أخرى، والتهديد بحد ذاته خطأ لِأَنَّ صاحبه لا يملك حل مُشْكِلَته فلجأ إِلَى هَذَا الأمر، وأنتِ عندما عاد إِلَيْكَ يُريد إرجاع العلاقة رفضتِ، رغم أنَّه فَعَل ما يستطيع مِن أجلك، فالكل متمسك برأيه وهذا التَّصَُّرف لا يُقَرِّبُ من المسافات، بل يُبعِدها، فالعناد يزيد الأمر تعقيداً، وقد يعكر صفو حياتك الزوجية، و تندمين بعد ذلِكَ.
و ربَّما يَكُونُ الخوفُ من المُسامحة لأنَّهَا قد تزيد الطرف الآخر تكبُّراً، و غطرسةً، و استهانةً بالمُتسامح، وهذا أمر غَيْرَ صحيح، وبعيد كُلَّ البعد عن العقلانية، و يَجِبُ أَلاَّ ننجرف وراءه. ويجب أن نقبل كل ما يُقرِّبُنا مِن الحَلّ؛ فالمؤمن هيّنٌ لين، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيانِ؛ فَيَصُدُّ هذا، ويَصُدُّ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ)، [البخاري: 6237 ].
إذا أردتِ أن تُناقشي زوجك، أو تحاورينه، أو تعاتبينه، فليكُن ذلك بكلمات جميلة، مُنتقاة، في وقت مناسب، بأسلوب جميل، ومن خلال هذا الأسلوب تبينين له عمق محبتك له، وحادثيه بالأُسلوب الطيب، والراقي.
من المُهِم في هَذِهِ المرحلة، والمراحل القادمة ألاَّ تَخرجي عن حُدود المُشْكلَة، وتنعتين زوجك بكلام، أو انتقادات، أو تصرفات قد تُؤذيه، مثل إغلاق النور، أو غَيْرَ ذلِكَ، فهذا لم يُفدك بشيء غير إثارة القلق، وكثرة المشاكل، وفقدان الثِّقَة، وهو أيضاً كذلك، لا بد من أن يتعامل معكِ تعاملاً راقياً، وليكن تعاملك معه بحكمة و رويَّة، وصبر، و أناة؛ حتى لا ينعكس عَلَى نفسيَّتك، و تفتقدين الحُبَّ والاحترام والتقدير.
ومن المهم زرع الثِّقة في النفس بأنك قادرة على تجاوز هذه المُشْكلَة، إذا علمتِ أنَّها لا تزال في دائرة الكلام فقط، وكذلك الثِّقة في التَّعامل مع الزوج، وزرع ثقته فيك، وذلك من خلال بعض التعاملات التي تقوي رابطته بك، والعودة إِلَى دائرة العلاقة الجيدة، و التصرُّفات المتزنة.
و يجبُ ألا يَكُونَ في داخلك أثر عكسي لهذه المُشْكلَة بترك حُقوق الزَّوْج وعدم الاهتمام به و التَّزينّ له، فهذا سيزيد من المُشْكلَة، ويخلق آثاراً جديدة، ويقطع الصلة بينكما.
ركزي على الجوانب الإيجابية في زوجك، وابتعدي عن الجوانب السَّلبِيَّة، فمهما كان نوع شخصية زوجك فلديه جوانب متميزة، ركِّزي عليها، و امتدحيه بِهَا، وهذا طريق لكسب قلبه، وميله إِلَيْكَ؛ فالرجل دائماً يحتاج إلى الثَّناء على مايقوم به من جهود، وواجبات للأسرة، فركزي على الصفات الجميلة، والإيجابية، و امتدحيه بها، و كرريها دائماً، فهذا الأمر يبعث على الحُبّ، ويزيد الوُد، فإظهار الصفات الإيجابية يجعل الزوج يُبدي اهتماماً أكبر، ويهتم لاهتمامك به، و سيؤثر كلامك عليه إيجاباً، و سينعكس عليك أنتِ هذا الإيجاب.
والواجب على الزوج أن يتَّقي الله في زوجته، و يعتني بها، و يُحسن معاملتها، ولا ينشغل عنها، وقد جعل الله الزَّوْجة سكناً، فقال سُبْحَاْنَهُ: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، [الروم: 21]. و أوصى النبي -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو الدَّرداء حين اشتكت زوجته فقال: (إنَّ لأهلِكَ عليْكَ حقًّا)، [الترمذي:2413]. والزوج الذي يقصِّر في حق زوجته فإنَّه يأثم، وعليه الاهتمام بالأُمور العاطفيَّة، والاهتمام بمشاعر زوجته، و نفسيَّتها، حيث أنها تُعاني من أعمال البيت، و تقُوم بخدمة الأبناء، فلا بُدَّ من مراعاتها، وحسن معاملتها، وعليه أن يبتعد عن الأنانية، وعليه الصَّبْر، والاحتساب، كَمَا أوصى عَلَى ذلك ديننا الحنيف.
التَّجديد أمر مُهم، خاصة في أمور الحياة الزَّوْجِيَّة، فجدِّدي في حياتك بكل أشكالها. بمثل هذا الأسلوب، وهذا المنهج تكسبين رضا زوجك، وتسعدين معه، لا سيَّما إذا حرصتِ على كثرة الدُّعاء، فَإِنَّهُ سهم لا يُخطئ، فخصِّصي جُزء من دُعائك لزوجك، لعل الله سُبْحَاْنَهُ أن يُجيب دُعاءك، واحرصي على القُرب من الله -سُبْحَاْنَهُ وتَعَاْلَى-، والحرص على الصَّلاة، وقراءة القرآن، فلها تأثير كبير على مسار حياتك.
نسأل الله أن يُبارك فيك، وأن يحفظك من كُلّ مكروه، وأن يُسعدك في حياتك الزَّوْجِيَّة، وأن يهديك وزوجَك إلى الخير.