الرد على الاستشارة:
أيتها الأختُ الكريمةُ؛ نرحِّبُ بكِ و نشكُرُ لكِ ثِقتَكِ في موقع المُستشار، و نسألُ الله أن نَكونَ عندَ حُسن الظّن في تقديم ما يسُرُّكِ، و يُفيدُكِ، وأن تَجدي بُغيتك في هذا الموقع، ونسأل الله تعالى أن يدُلَّك على الخير أينما كان.
الحياة الزَّوْجِيَّة : قائمة على أساس الشراكة، و يبذُل الزَّوْجَان كُلَّ الجُهود بغية النَّجاح، والاستقرار، و تَخطِّي العقبات، حيثُ يقوم الزَّوَاج عَلَى مبدأ التَّعَاوُن، ومضاعفة الجُهود؛ حتى تستقر الأُسرة، فهو سكنٌ للزَّوجين، وليس شركةً تجاريَّة تقوم على المصلحة الخاصة لكل طرف، ومن الأمور المُهمَّة في هذا الزَّوَاج النظرة الإيجابيَّة، و حُسن الظَّن بالله، و التَّفاؤل لمستقبل ناجح.
أختي الكريمة؛ ذكرتِ في رسالتكِ أنَّه تَقَدَّم لخطبتك شابٌّ قد رَضيتِِه خُلقًا، و دينًا، و أُعجبتِ به كثيراً، بل تكادين تجزمين أنَّه فارسَُ أحلامك، مع إرادتك إنشاء أسرة صالحة، وأنتِ شغوفة بالبيت، وعلى استعدادٍ تامّ للتوفيق بين الوظيفة والعمل، وقد اشترط عليك خطيبكُ تركَ عملك كطبيبة طيلة حَيَاتُكَ؛ وهذا القرار حيرك كثيراً، و تريدين النَّصِيْحَة، و تعيشين كربًا شديدًا جرَّاء هذا الأمر.
للمرأة الحق في العمل، خَاَصَّة إذا كان هذا العمل فيه حاجة ماسَّة، بشرط توافر جُملة من الضَّوابط مِن أهمها: " البُعد عن الاختلاط، و أَلاَّ يأخذ العمل كُلَّ وقتها" ، ولا ينبغي للزَّوج أن يُصادر رأيها، وحقها، وعليه أن يتَّفق معها بعد مشاورتها، و محاورتها، وتبيين وجهة نظره لها. وسنقُوم بإرشادك -بإذن الله- إِلَى عدد من النقاط الهَامَّة في هَذَا الشَّأن :
- بالنسبة لاشتراطه ترك العمل، والهدف مِنْهُ، فَإِنَّهُ يختلفُ مِن شخص لآخر. فهناك من يرى أن بقاء الزَّوْجَة في البيت من مسؤولياته، وواجباته، خاصة إِذَا كانت ظروفه المادية جيدة، ولا يحتاج إلى عمل الزَّوْجَة؛ فيقوم بتوفير سُبل الرَّاحَة لها، ليُبعِدها عن زحمة، ومتاعب العمل، خَاَصَّة أنَّ هذا القرار يُبقي المرأة في البيت، ولا ينشغل الطَّرفين في البحث عن لقمة العيش، و يُعطي المرأة المَجَاْل للتفرغ لأعمال البيت، ورعاية الأطفال، وهي المهمة الأساسية لها. وقد يَكُون الدافع السيطرة و حُب التَّملك، ومنهم من تَكُوْن دوافعه البُعد عن الاختلاط، وإبعاد زوجته عن الخطر؛ لغيرته، وخوفه عَلَيها، ومنهم من يكون منعه للعمل لتقاليد، وعادات ورثها، فَمِن المهم التفرقة بين كُلّ هَذِهِ الأنواع خلال هذه الفترة، ودراسة ذلِكَ جيدًا حتى لا تحدث مشاكل ما بعد الزَّوَاج.
- يُمكنك إعداد قائمة بالإيجابيَّات و السَّلبيَّات لِيكُونَ من السّهل تصوُّر التّأثير المُحتمل لقرارك، وتقييم الإيجابيَّات، والسَّلبيات، واختيار الأفضل لك حتى تُقدِّمي قراراك بثقة تامَّة، كونك اخترتِه بِنَاءً عَلَى تغليب المصلحة العامة للطرفين، ولا يُعارض رغباتك و أهدافك.
- من النادر في هذا الزمان الحصول على زوج بمثل هذه المواصفات فهل يمكن لو رفضتِ طلبه بترك العمل أن تعوِّضي تلك المواصفات في شخص آخَر؟ يَجِبُ أن تدرسي هذه النُّقطَة دراسة كافية مِن جميع الجوانب، وتُغلبي المصلحة في هَذَا الاختيار، خَاَصَّة أَنَّكَ تكادين تجزمين أنَّه رجلُ أحلامك القادم.
- ما الهدف مِن عملك؟ هل هو تحقيق الطموح، وكسب المال؟ فإذا كان هَذَا الزَّوْج سيوفر لك كُلّ ما تتمنينه فهل هَذَا سيُغنيك، وهل إِذَا توقفتِ عن العمل لن تعودي إليه مرة أخرى؟ بعد إعطاء الثِّقَة، ومناقشة هَذَا الامر مناقشةً هادئة، وبأسلوب جميل بعد الزَّوَاج فرُبَّما يليُن قلبهُ، و تعودين للعمل مرةً أخرى حَيثُ أنَّ الزَّوَاج فيه مودةً، ورحمة، و رُبَّما يتغيَّر التَّفْكِيْرِ، وتتم القناعة حسب إدارة الزَّوْج، وتغيير قناعاته، طلما أنَّ زوجك مرن و متفهم، وقد تنازلتِِ أنتِ في ترك العمل خمس سنوات، و تنازلتِ كذلك عن تغيير البلد، وقبلتِِ بالعديد من الأشياء لتكوني لينة مطيعة، وهذا دليل ليونتك، و سهولتك، وقبولك لما يمكن أن يُؤَدِّي بك إِلَى حياة سعيدة، وأنت قريبة مِن ذلِكَ، فربما يزرع الله محبتك في قلبه، و يسمحُ لك بفتح عيادتك الخاصة، والتي تلبي طموحك العلمي والعملي معاً، خَاَصَّة أَنَّكِ تريدين حقَّاً إنشاء أُسرة صالحة تُرضي الله، وهذا ما ذكرتِه في ثنايا رسالتك.
- قمتِ بإعداد مشروعك الخاص بالحلويات، ولا يُشترط أن تتولَّينهِ أنتِ بنفسك، يمكنك إعطاء مِن تثقين فيه بتولي العمل في هَذَا المشروع، ويمكنك أن تتفرغي لبناء أُسْرَتَكَ، وحياتك الخاصة مع زوجك، وأنتِ عَلَى نفس المسار، و تؤدين أعمالك الخاصَّة بِشَكْلٍ غَيْرَ مباشر، و بإدارة خَاَصَّة، و أيدٍ أمينة.
- طالما أَنْتِ صاحبة خلق ودين، وحافظة لكتاب الله، وزوجك أيضاً صاحب خلق ودين، فإنَّ ذلك يُطمئنك بحياة زوجية سعيدة -إن شاء الله-، يَتِمُّ فيها بِنَاءً لبنة مِن لبنات المُجتَمَع، و تساهمون جميعاً في تشييد هَذَا البناء الصَّالح لكي يَكُون له تأثير إيجابي في صلاح المُجتَمَع، وتغييره للأحسن.
- بيت المرأة دليل تميُّزها، وأناقتها، وهو مجال إبراز مهاراتها، وهي مفتاح سعادة البيت وبهجته، وهي الزَّوْجَة، والأم، والمربية، والمستشارة، فإذا استشعرت المسؤولية فزت برضى الله سُبْحَاْنَهُ، والأصل هو قرار المرأة في بيتها، وقد دل على ذلك قوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾، [الأحزاب: 33].
- اسْتخيري الله تعالى في أمرك، و اسأليهِ أن يلهمكِ السداد و الرَّشاد، وأن يختارَ لكِ ما فيه الخير، والهداية، وهذا من الأمور التي كان يفعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جميع شأنه.
- أكْثِري من الدُّعاء أن يوفقك الله للخير فالدعاء له أثر عجيب، و تذكَّري قول الحق سُبْحَاْنَهُ: ﴿وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر : ٦٠]، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، [البقرة : ١٨٦].
- لا نملي عليك اتخاذ القرار، أَنْتِ وحدك مِن سيتَّخذُ القرار، وقد أعطيناك بعض المُعْطَيَات الهَامَّة التي ستساعدك - بإذن الله -، وأنت من سيُقرر، فالخيار أمامك وأنتِ من تُقدّرين.
نسأل الله سُبْحَاْنَهُ أن يدُلك إِلَى الطَّريق الصَّحيح، وأَن يُبْعِد عنك الحيرة التي أصابتك، وأَن يُلهمك الرُّشد ، والصَّواب، وأن يعوِّضك فيما اخترتِ مِن قرار، وأن يوفقك، ويُسعدك، ويوجهك الوجهة السَّليمة. وأن ييسر كُلّ أمورك إنَّهُ سميع مجيب.