الرد على الاستشارة:
نُرحِّبُ بكِ-أُختنا الكريمة-، و نشكُرُ لكِ ثِقتَكِ في موقع المُستشار، ونسألُ الله أن نَكونَ عندَ حُسن الظّن في تقديم ما يسُرُّكِ، و يُفيدُكِ، وأن تَجدي بُغيتك في هذا الموقع، ونسأل الله تعالى أن يُصلح أحوالكِ كلَّها، و يُصلح ما بينك و بين زوجك، و يُعيد الألفة بينكما.
فيما يَخُصُّ ما ورد في طلبك للاستشارة، وما حَصل لك من ألم بسبب تَقْصِير زوجك، فهذا الأمر قد قدَّره الله سُبْحَاْنَهُ، و قضاه في كتاب قبل وجودنا على هذه الأرض، وأنتِ قد أصبْتِ عِنْدَمَاَ قررتِ الزواج ، لِأَنَّ المرأة ينبغي لها أن تُحصِّن نفسَها، و تَغُضَّ بصرَها، و يحتويها زوجُها، و يُنفقُ عليها، وقد مِن الله عليك بنعمة الزواج، وإن كانت الدُّنْيَا كلُّها لا تخلوا من كدر؛ حَتَّىَ بيتَ رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم يخل مِن الْمَشَاْكِل، و كلُّ ذلك خيرٌ للإنسان فَإِن شَكَر في النِّعمة كان خيراً له، و إن صَبَر عند المصيبة و الضَّراء كان أيضاً خيراً له.
وقد رزقكِ الله سُبْحَاْنَهُ ببنت مِنْ هذا الزَّوْج، وهذا فضل من الله كَبِيْىَر، وعمرك يقارب ٣٨ سنة فالحمد لله على هذا الفضل، و النِّعمة أن رزقك الله هذه البنت التي ملأت عليك البيت سعادة وفرحاً.
ولدى زوجك صفاتٌ جميلة؛ ذكرتِها في رسالتك، فهو موظف براتب جيد، يملكُ منزلاً، وليس عليه أيَّ التزامات، مُحافظٌ على صلاته، حنون عَلَى أطفاله، بارٌ بوالديه، و منفق، وعادل في بداية الزَّوَاج، وهذه الصِّفات قلَّما تجديها في أيّ شَخْصٍ، وهي صفات مطلوبة، و مرغوبة. والزوجة الثانية عادة ما تكون ضحية في معظم الأوقات، فهناك زوج يتقي الله، ويبذل كل ما في وسعه ليعدل بين زوجاته، و هُناك من لا يبالي، وتكمن صعوبةَ ذلك من خلال الآية الكريمة : ﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُم ﴾ [النساء:129]؛ و مَن لا يستطيع العَدْل فيكتفي بواحدة قَاَلَ سُبْحَاْنَهُ : ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ ، [النساء: 3].
وما فعله زوجُك من تصرُّفه معك كان بعد إنجابك؛ فقد يكون تغيره بسبب ضغوط مِن زوجته السابقة حَيثُ أنَّ الإنجاب قد يكون سبباً في زيادة غيرتها، وبالنظر إِلَى مشاعره في السنة الأولى من الزَّوَاج فقد كانت مُتقلِّبة،-كما ذكرتِ- رُغم أنَّه فرح معك بالمولود- وبدأ يتغيَّر، ويبتعد، حَيثُ أن زوجته تُراقبه كَمَا ذكر في كل شيء، و تَعلمُ ما يحدُث عندك، ويخاف هو من هذه المُراقَبة، لدرجة أنَّه لا يخرج مِن البيت حَتَّىَ لا تراه كما ذكرتِ أَيْضَاً في رسالتكِ، و رُبَّما كان خوفه أن يُهدِيَك هديَّة للمولود بسبب هذا الخوف، وهذا ما سبَّب له بُرودٌ في المشاعر نحوك، و يُدلِّل كذلك عَلَى أن لديه ضعف في الشَّخصية، ومما زاد تَسلَّطه هو خجلك في البداية، والسكوت، و البُكَاء، وزيادة عَلَى ذلِكَ لا يريد الإنجاب بِسبب هذا التَّسلُّط؛ فالانجاب من حقك الشرعي ، ولا يجوز للزوج أن يمنعك مِنْهُ، فليس للزوج منع زوجته من الإنجاب لغير مسوغ شرعي.
ولا شك أن ما يفعله زوجك مناف للصواب، ولا ينبغي له أن يفعل ذلِكَ، و لكنّك في مقام تحتاجين فيه إلى الموازنة بين النتائج التي ستحصل لك لو تمسكتِ بحقوقك فقد يؤدي ذلك إلى الطَّلَاق، والمفارقة، -لاسمح الله- ولو تنازلتِ عن بعض من هَذِهِ الحقوق، فرُبَّما تتيسَّر أمورك، وتنتهي مُشكلتك.
عليك بالثناء عَلَى الزوج فهذا مِن الاحتياجات المُهِمَّة التي يحتاجها، وعند المحاورة في أمر يمكنه القيام به لا بُدَّ مِن اختيار الوقت المُناْسِب، ولا ترُدِّي عليه عِنْدَمَاَ يغضب، فإذا وجدتِه هادئاً فكلِّميه بهدوء، فقد ذكرتِ في رسالتك أَنَّكَ هادئة، وحنُونة، وعمليَّة، وصبُورة وهذه صفات المرأة العاقلة، وتجنبي المواقف التي تثيره إِذَا عرفتِ ما يُحب، وما يكره، ومن المُهم إدارة المُشْكِلَة، و التَّعَامل معها بصوت منخفض؛ خَاَصَّة أنَّ مُشْكِلَتَك مُتَعَلِّقَة بالزوجة الأولى، ولا بأس من تدخل الأهل في حل الموضوع، فيما يَخُصُّ العَدْل، والنفقة، و الإنجاب، و الضرب، وفي هذه الحالة لا بُدَّ من شرطين أساسيين لضمان الحَلّ النهائي الأول: الجدية الكَامِلة، و الثاني: المتابعة بشأن التنفيذ؛ حتى لا يحصل لك مثل ما حصل في المرة السابقة، وَلَاَ بُدَّ لمن سيدخُل في الموضوع مِن أهلك أن يتحلَّى بالخبرة، والصلاح، والحكمة، ليكون مؤهلاً لحل هذه المُشْكِلة.
و اطلبي مِنْهُ أن يأخذك للبيت، وبعد العودة مِن المُهِم أن تزيدي رصيدك العاطفيّ نَحْوِه، و أَن تُظهري له عنايةً زائدة، و بادليه الكلمة الطيبة، واسعيْ إلى إرضائه، حيث أن سعادتك مرتبطة بسعادته، وانظري إلى حياتك في بداية الزَّوَاج، وتذكري المواقف الجميلة و تخيَّلي الأشياء السَّعيدة بينكما، وإن كان لديك همَّ، وألم، ويأس، وحزن فازرعي بجانبهما الأمل.
حاولي إصلاح ما بينكِ وبين ربَّكِ سُبْحَاْنَهُ، وراجعي أخطائكِ، فقد يكون تقصيرك في حق الله هو سبب مشكلتك، و أكثري من ذكر الله، يقول سُبْحَاْنَهُ وتعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾، [الرعد: 28] .
المحافَظة على الصلوات، وبقية العبادات، لها أثر كبير في، حل هذه المشكلة، وكذلك تجنُّب المعاصي، والتوبة إلى الله، له أثر طيب، يقول سبحانه : ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾، [النساء79].
لا بد من اللجوء إلى الله بالدعاء، و التضرُّع له، يقول سبحانه : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ففي دعاء الله -سبحانه وتعالى- تفريج للكُربات، فربما يفرج الله ما أهمك، ويزرع بينكما المحبة والسعادة، وعليك الإكثار من دعاء الله تعالى أن يرزقه الرشد، والصواب، وادعيه أن يرزُقكما الذرية الصَّالحة.
ختاماَ :
حاولي التفنُّن، والإبداع، و التَّغيير في عموم حياتك، فلذلك تأثير إيجابي، فعندما يُحس الزَّوْج بالتغير في المواقف، وفي الحياة، وفي التعامل؛ سيتقرب إِلَيْكِ.
نسأل الله سُبْحَاْنَهُ أن يسهَّل أمرك، ويزيل ما أهمك، ويسعدك في حياتك، ويرد إِلَيْكَ زوجكِ، و أَن تعُودَ حَيَاتُكُما كما كانت، و أفضَل مما كانت عليه.