الرد على الاستشارة:
نُرحِّبُ بِكِ أُختَنا الكَريمة في موقع المُستشار؛ وُنثمّنُ لكِ ثقتكِ بالموقع، ونسألُ الله أن نَكونَ عندَ حُسن الظّن في تقديم ما يسُرُّكِ، ويُفيدُك ، وأن تَجدي بُغيتك في هذا الموقع، ونسألُ الله تعالى أن يُصلح أحوالكِ كلَّها، وإن يُبعد عنك ما أهمَّكِ، ونودُّ أن نُبلِّغك أن الأمر يسير، وسهل، وفي استطاعتك السيطرة عَلَى المُشْكلَة، و-بإذن الله- نُساعدك في إيجاد الحَلّ.
يبدوا أنك حساسة جدًا في تفاصيل حَيَاتَكَ، ودليل ذلك أَنَّ هَذَا الحدث ألقى بظلاله عليك فأصبحت تفكرين فيه خمسة أشهر متوالية، ولم تهدأ حَيَاتَك، وبالتأكيد سَيكُون لذلك إنعكاس سلبي عَلَى حياتك الزَّوْجِيَّة، لأنَّه عندما تزيد الحساسية ينعدم التَّفاهم، وتصبح العلاقة الزَّوْجِيَّة كالبالونة المملوءة بالهواء، تؤذن بالانفجار في أي وقت، وعليك أن تُعْطِي مجالًا لتخطي المشكلة التي وقعت وذلك بالصَّبر، خصوصًا أنَّه لَيْسَ هناك خيانة واضحة، أو قوية بَلْ مراسلات من السهولة الابتعاد عنها وتركها، ومن حقك أن تغضبي، ولكن من المهم أن تديري غضبك، و تتعاملي مع هذه المُشْكلَة بهدوء، وبعيدة عن الانفعال، وزوجك ليس معذور أبدًا في إقامة مثل هَذِهِ العلاقات، وهو أمر مُحرَّم شرعاً، ولا يشك أحد في العواقب السيئة على الزَّوج في دينه ودنياه؛ وأنَّ ما يفعله تَقْصِير في دينه، ومن الصعب الحصول على زوج خال من العُيُوب، والنقائص وكلنا خطَّاؤون، ولو تأمَّلنا أنفسنا، لوجدنا فيها من العيوب الكثير، ولا ينبغي في كل خلاف أو مُشْكِلة أنَّ تخرجَ المرأة مِن بيتها، لذا؛ أنصحك بالتروِّي، واستخدام الأسلوب الأمثل في علاج هذه المُشْكلَة، ومن المُهِم أن تعلمي أنَّ زوجك عِنْدَمَاَ قام بهذا العمل لم يكن هناك نقص، أو عيب فيكِ، أو أنَّ زوجك لا يُحبك، والأمور التي تُفّكِّر فيها كُلّ امرأة مِن عدم الحُبّ، أو أنَّ هُنَاكَ نقص فيها أمر غير صحيح، وهي تزعزع الثِّقَة بالنفس، وتقدير الذات، وأؤكد عَلَى أمر مهم وهو أنَّ التَّجَسُّس، أمر حرام، حرمه الله تعالى في كتابه الكريم، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ﴾ [الحجرات : ١٢]، فإذا كان اكتشافك لهذه الخيانة عن طريق الصدفة، و دون تجسس؛ فهذا لا يدخلك في الإثم، والتجسس خطأ كبير، وله أثر سلبي على علاقتك، ولا يجوز شرعاً، والآية الكريمة أوردت ذلك من باب النهي (ولا تجسسوا).
ولعلاج هَذَا الأمر لا بُدَّ مِن العمل بخُطْوَات مُهمّة تتمثل في الآتي :
أولاً : لا بد من حل المُشْكلَة بالتفاهم بينك وبين زوجك بحوار هادئ، وعميق ويمكنك أن تغفري هذه الزلة لتعود الحياة إِلَى الهدوء مِن جديد.
ثانيًأ : تهديد زوجك بالزواج عليك زاد التَّوَتُّر لديك، وأفقدك صوابك، وأثر عَلَى حَيَاتَكَ، وواجباتك الزَّوْجِيَّة، وهذا التَّهْديد من زوجك لا يعني به الزَّوَاج، ولكنه حيلة العاجز، يريد أن يخرج من المُشْكلَة التي أوجدها لنفسه، ولذلك مِن المهم أَلاَّ تعيري هذا التهديد أيَّ أَهَمِّيَّة خَاَصَّة أنه لم يحدث، والتهديد بالزَّوَاج لا ينبغي أن يكون وسيلة للضغط، وهو مخطئ في ذلك، ووسيلة للعاجز، وهي وسيلة سيئة للتأديب، ورسائل سَْلِبيَّة تفقد الزوجة الشُّعُور بالأمان، ولسنا في صدد حق الزوج في الزواج إنما نتكلم عن الأسلوب الخاطئ في استعمال الحقوق.
ثالثًا : احذري من تأثير الضُّغوط النَّفسية، وكبت المُشكلة بداخلك؛ حتى لا يكون التأثير عميقاً، وعكسياً، وعند الهدوء، والراحة ستستطيعين -بِإِذْن الله- علاج مشكلتك بالتدريج، فالحل لا يكون دفعة واحدة، بل يحتاج إِلَى وقت، والخوض مع الزَّوْج في هَذَا الأمر سيستنزف طاقاتك، ويُبعثر جهودك، وقد يُبعد زوجك عنك فاحرصي على حل المُشْكلَة باتزان، فأنت في البداية، لم تخسري زوجك بعد، والموقف قد حدث، فَمِن الحكمة التأقلم مع هَذَا الحدث، واعتبريه مثل أيَّ بلاء يواجهك، ومن الطَّبِيعي أنَّ يَتَكوَّن لديك بَعْض الآثار النَّفْسِيَّةِ بسبب ما حدث وهذا أمر طبيعي يحدث لكل إنسان، ولَكِنَّ الذي لس طبيعيًا أن تستمر معك هذه الأثار، فإنها ستؤثر حتمًا على حَيَاتَكَ العاطفية، والنفسية، ومن الضروري السعي إِلَى التخلص منها، واستعادة التوازن لحياتك الزَّوْجِيَّة.
رابعًا : من المُهِم الانشغال بالسبب الحقيقي للمُشْكِلَة، والبحث عن السلبيات التي أدت إليه، والاهتمام بما يشتكي مِنْهُ زوجك، وتقديم الحُلُول المناسبة، فربما كان يشتكي مِن قلَّة العاطفة، أو عدم إشباع الرغبات. فيجب أن تزيدي رصيدك العاطفي نحو زوجك، وأَن تظهري له عنايةً زائدة، وبادليه الكلمات الطيبة، واسعي إلى إرضائه، حيث أن سعادتك مرتبطة بسعادته، وربما يكون اختياره لهذا الطريق الخاطئ لنقص في مشاعرك نحوه، فَمِن المُهِم البحث عن السَّبب وعلاجه، وحاولي أشباع رغبات زوجك بالحلال، وتلبية مُتطلباته أكثر من السِّابق حتى يُحس بعظم مسؤوليته تجاهك، ويزيد توجّهه نحوك.
خامسًا : انظري إلى تاريخك الجميل مع زوجك، وتذكري المواقف الجميلة، وتخيلي الأشياء السعيدة بينكما، وابتعدي عن المواقف السلبية، ولا تتذكريها أبدا، لأنَّهَا ستجلب لك الألم، والحسرة، وتُبعد عنك الأمل، وهي سبيل للشيطان، وإن كان لديك خوف، وألم ويأس؛ فأزرعي بجانبها الأمل.
سادسًا : انظري إِلَى الجوانب الإيجابيَّة في زوجك، وفي حَيَاتَكَ و غلِّبي الإيجابيات عَلَى السلبيات فَمِن الإيجابيات ديمومة هَذِا الزَّوَاج لمدة سُنَّة ونصف، ومن الطَّبِيعي أن يَكُون لدى زوجك إيجابيات، تميزه عن غيره، واحذري أن تقارني أسوأ ما فيه بأفضل ما عند الآخرين، فطبيعي أن يحمل كُلّ إنسان بَعْض السلبيات، ولكنَّها لا تطغى عَلَى إيجابياته، ولا بُدَّ مِن فتح صفحة جديدة للعيش بصفاء، وتناسي الخلافات السَّابِقة، والعاقل هو الذي يبتعد عن أسباب التنازع، وخصوصًا ما يُجدد الخلافات القديمة، ويستفيد الإنسان مِن أخطائه فيَكُون أكثر نُضجًا في مواجهة التَّحَدِّيات.
سابعًا : زيدي ثقتك بنفسك، وأن يكون لديك القناعة التامّة بأنك ستكونين ناجحة في حياتك الزوجية، وستديرين علاقتك في هذه الحياة بشكل سليم، وتتغلبين على الآثار السَّلبِيَّة للخيانة.
ثامنًا : إذا أردتِ أن تُناقشي زوجك، أو تُحاوريه، أو تُعاتبيه، فليكن ذلك بكلمات جميلة، منتقاة، في وقت مناسب، بأسلوب جميل، ومكان مناسب، ومن خلال هذا الأسلوب بيِّني له عمقَ محبتك، وحادثيه بالأسلوب الطيب، والراقي، وابتعدي عن الغضب؛ فالغضب لا يزيدُ المُشْكلَة إلا تعقيدًا، وقد يُعكر حياتك الزَّوْجِيَّة، وتندمين.
تاسعًا : أيَّ عمل تقومين به لا بُدَّ من أن يكون لوجه لله حَتَّىَ تؤجري عليه فقد ذكرتِ أنك قد صنتِ زوجك، وحفظتيه وحفظتِ عرضه، وهذا لا بُدَّ من أن يَكُون لله حَتَّىَ لا يُغالبك النِّدَم على ما قمتِ به مِن جهود، ويكون خالصًا لوجه الله سبحانه.
عاشرًا : لا بد مِن البدء بالتَّغيير في حياتك، والعودَة إِلَى طاعة الله سُبْحَاْنَهُ، حيث أنَّ التَّغيير له أهميتهً كبيرةً في حل مشاكلك، وهذه قاعدة مهمة، يقول الله سُبْحَاْنَهُ: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]، فعند طلب التَّغيير في الحياة لابُدَّ أن نُغيِّر ما بأنفسنا، ونُعيد بناء حياتنا على ما يرضي الله سبحانه، وإذا علمنا أنَّ ما أصابنا من أَنْفُسَنَاْ؛ فيجب أن نبدأ في التَّغيير، والعودة إلى الله. يقول سُبْحَاْنَهُ: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء79]. فكوني قريبة منَ الله، ليكن معكِ، وثقي فيه سبحانه، ولا تملَّي طرْق بابه، واللجوء إليه، وتجنَّبي المعاصي، وتوبي منها، واحرصي على الصَّلاَة، وأدائها في وقتها، يقول سُبْحَاْنَهُ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132]. ولا تنسي قراءة ورد يومي من القرآن الكريم، فقد ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (اقرَؤوا سورةَ البَقرةِ؛ فإنَّ أخذَها بَركةٌ، وتَركَها حَسرةٌ، ولا تَستطيعُها البَطَلةُ)، [صحيح مسلم: 804]. والقرآن كله بركة، وإذا علمتِ أنَّ كثيرًا من المشاكل التي تُحيط بنا سببها البُعد عن الله سُبْحَاْنَهُ، وتعالى فلا بُدَّ من القرب منه سبحانه أكثر، والزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي، -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذلك من أعظم أسباب زوال الهُموم، وحافظي على أذكار اليوم، والليلة، ليطمئن قلبك.
ومن المُهِم أيضًا الإكثار مِن التَّضرع لله، بالدعاء، وتحّين أوقات الإجابة، وادعي الله أن يُزيل عنك الهُموم، والغُموم، فلعلَّك توافقين ساعة إستجابة.
ختاماَ : حيدي تأثير المُشْكلَة، واجعليها في إطارها الطَّبِيعي، واحذري من تأثير الضُّغوط النَّفسية، وكبت المشاعر بداخلك؛ حتى لا يكون التأثير عميقاً، وعكسياً، وعند الهدوء، حاولي التَّفنُّن، والإبداع، والتَّغْيِيِر في عموم حَيَاتَكَ لتزرعي الرَّاحَة، والسَّعَادة، والأمل، فلذلك تأثير إيجابي عليك؛ فعندما يحس الزَّوْج بالتَّغَيُّر في المواقف، وفي الحياة، وفي التَّعَامل؛ سيقترب منك أكثر، وأكثر، وسيكون تغيُّرك مساهمة منك، وإرضاءً لربك، وزوجك، وحلاً لمُشكلتك.
ولا بد من النسيان ( كل ما فعله زوجك سابقاً اتركيه في دائرة النسيان)، وذلك من خلال الابتعاد عن الأشياء التي تسبّب لك الألم، والطريقة الوحيدة للنسيان هي التفكير الهادئ، والتعامل بلطف، ولابد من ترك الأفكار السيئة، وعدم التفكير في الأشياء التي تعيدك إلى أحزانك، فإذا تعاملتِ بالعقل لا المشاعر ستجدين انفراجًا كبيرًا في أزمتك، ومشكلتك -بإذنه تَعَاْلَى- ولكي لا يكون تأثير هذه المُشكلة كبيراً عليك لا بُدَّ من الابتعاد عن التَّفكير في هذا الأمر، وتحييده جانباً.
وفَّقك الله، وسدد خطاك، و أصلحك، وأصلح زوجك، وربط بينكُمَا برباط مِن المودَّة والرَّحمة، وجعل عاقبة أمرَكم خيرًا، ورَشدًا.
ونحن في موقع المستشار: نسألُ الله سُبْحَاْنَهُ أن يزيل ما أهمَّك، وأَن يُسعدك في حياتك، ويحفظ لك زوجك، ونسأله سُبْحَاْنَهُ أن يهدينا وإياكم إلى طريق الصَّواب، ويقيكم كُلَّ الشُّرور إنَّه سميع مُجيب.