الرد على الاستشارة:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياك الله أختي ؛ وأهلا بك في منصة المستشار، نسأل الله السداد في تقديم المشورة التي تفيدك -بإذن الله- .
بالنسبة للتعامل مع إساءة الآخرين
فهناك أحوالٌ ثلاثة :
جاءت في قوله تعالى :
{ وَجَزَ ٰۤؤُا۟ سَیِّئَةࣲ سَیِّئَةࣱ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ (٤٠) وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤئكَ مَا عَلَیۡهِم مِّن سَبِیلٍ (٤١) إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَیَبۡغُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُو۟لَـٰۤئكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ (٤٢) وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ (٤٣) } ،[سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٤٠-٤٣] .
و الأحوال هي كما شرحها الشيخ د.عبد الرزاق البدر :
١-العقوبة بمثلها ، (جائز مباح) .
٢-الصفح والعفو ، وهذا من كمال الأخلاق وفيه ثواب عظيم عند الله .
٣-أن يعاقب بعقوبة أشد من الإساءة (بظلم)، وهذا لا يحبه الله .
قوله تعالى : ( ولمن صبر وغفر فإن ذلك من عزم الأمور ) .
أن يصبر و يعفو أكمل و أفضل .
وعزم الأمور رُتبة رفيعة لا يصلها أي أحد.
.....
إذاً لديك خيارين :
إن اخترتِ العفو من قلبك فهذا تؤجرين عليه ويحبه الله منك، وهي مرتبة عظيمة تحتاج منك صبرا واحتسابا، و مجاهدة لوساوس الشيطان الذي سيحاول أن يثنيك عن عفوك و يلومك عليه، فهو عدو مبين ويريد أن يوقع بينك وبين الآخرين العداوة والبغضاء، فاخلصي نيتك و اصبري فذلك أسلم لصدرك وفيه راحة بالك وصلاحه ولن يزيدك الله بعفوك إلا عزةً وليس ذلك بضعف بل إنه قوة تستطيعين أن تملكي نفسك عند الغضب كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ) .
بل الأعظم من ذلك أن تصلي لمرحلة تحسينين فيها لمن أساء إليك، وهذا أمر عظيم، يقول الله تعالى :
{ وَلَا تَسۡتَوِی ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّیِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰوَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ (٣٤) وَمَا یُلَقّاهَاۤ إِلَّا ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَمَا یُلَقَّاهَاۤ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِیمࣲ (٣٥) وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ (٣٦) }،و[سُورَةُ فُصِّلَتۡ: ٣٤-٣٦] .
عليك أن توقني أن لإحسانك أثرا عليهم ويجعل الله بعد تلك العداوة محبة.
لاسيما إن كانوا من أرحامك وذوي القربى .
وتأملي: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال:( يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم و يقطعونني، وأحسن إليهم و يسيئون إلي، و أحلُم عنهم و يجهلون عليّ، فقال: ( لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) ) .
وفي شرح الحديث: «فكأنَّما تُسِفُّهُم»، أي: تُطعِمُهم في أفواهِهِم «المَلَّ» وهو: الرَّمادُ الحارُّ، وهو تَشبيهٌ لِما يَلحَقُهم مِن الألمِ بما يَلحَقُ آكِلَ الرَّمادِ الحارِّ مِن الألَمِ، وقيل: معناه:" إنَّك بالإحسانِ إليهم تُخزِيهم وتُحَقِّرُهم في أنفُسِهم لِكثرةِ إحسانِكَ وقَبيحِ فِعلِهم، ولا يَزالُ معكَ مِنَ عندِ اللهِ «ظَهيرٌ عَليهم»، أي: مُعِينٌ لكَ عليهم و دَافِعٌ عنكَ أَذاهم مَا دُمْتَ على ما ذَكرْتَ مِن إحسانِكَ إليهم و ظَلُّوا هُم على إساءتِهم إليكَ، فوافَقَه النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- على وَصلِه لهم، وكلِّ ما ذَكَره مِن مَظاهرِ إحسانِه فيهم.
فإن كنتِ احتسبت صمتك و إعراضك فأنتِ في خير ولا يبعث ذلك الخير على ندم أبدا .
بل على ثباتٍ و احتسابٍ وقوة لأنك على طاعة الله وهو الذي هداك لهذا و أبشري بأجره وعظيم جبره.
وفي حالة أنك أردتِ الرد بما تأخذين به حقك فلا بأس، ولكن أوصيك هنا بالحلم و التريث، وعدم الانفعال السريع، بل استهدي بالله و اسأليه أن يسدد قولك وعملك و يعينك على الدفاع بدون ظلم .
و استعيني به ، حتى تكوني متوكلة في ردود أفعالك على الله وليس على نفسك ، فهو قادر أن يدلك على خير الردود .
وأوصيك بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( اللهم اهدني وسددني و ألهمني الرشد و قني شر نفسي ) .
والصبر في المواقف خيرٌ من الرد السريع الذي قد يزيد الموقف سوءا.
لكن ماذا عن المواقف الماضية..؟
ماذا عن لوم نفسك..؟ لماذا لم تردي؟ ليتك رددت..!، ليتك دافعتِ .
اعلمي إن كل ذلك اللوم إنما هو من الشيطان ليحزنك فلا تلتفتِ له ، بل قولي : "قدر الله وما شاء فعل" .
وتذكري هذا الحديث :
في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: ( احرص على ما ينفعك، و استعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا، وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) .
لا تكثري التفكير فيما مضى، هكذا قدر الله والحمد لله، و تأملي في الخيرة ، فلعل كلامك كان سيضرك أكثر لكن الله لطف بك سبحانه.
واعلمي أن كثرة لومك لنفسك..تجعلك على خوف وقلق في أي موقف تواجهينه بأن يتكرر أو تخافين أن تكوني بموقف تضطرين فيه للرد، مما يجعلك ذلك الخوف تتجنبين لقاء الناس و تفضلين الابتعاد، وهذا يؤثر سلبا على نفسيتك .
إذا ...من البداية!-->سلمي لله أمرك
ما مضى؟ قد كتبه الله هكذا .
والله حكيم، ولطيف بك في كل أحوالك في صمتك وكلامك .
ما سيأتي ..؟
استعيني بالله أن يسددك للتصرف الصحيح والرد الأفضل ، واعلمي أن عفوك وإحسانك يحبه الله منك وهو سبب لمغفرة الله لك ومحبته.
{ وَلَا یَأۡتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن یُؤۡتُوۤا۟ أُو۟لِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَلۡیَعۡفُوا۟ وَلۡیَصۡفَحُوۤا۟ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن یَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ } ، [سُورَةُ النُّورِ: ٢٢] .
ختاما : أوصيك بالاستماع لهذا الدرس للشيخ د.عبد الرزاق البدر.
الدرس ( 182 ) من شرح تطريز رياض الصالحين
📗 باب احتمال الأذى 02-12-1444
✅ درس في المسجد النبوي
🟢 رابط تحميل الدرس
https://al-badr.net/detail/wSFTybvf92pK
🟩 رابط بقية دروس شرح تطريز رياض الصالحين
http://al-badr.net/sub/431/
أسأل الله أن يحفظ قلبك و يطمئنه و يؤمنك من خوفك و يعينك و يوفقك لما يحبه ويرضاه و يسدد أقوالك و أفعالك ويرفع قدرك عنده .