الرد على الاستشارة:
نُرحِّبُ بك أُختنا الكريمة في موقع المُستشار؛ وُ نثمّنُ لكِ ثقتكِ بالموقع، ونسأل الله لكِ التَّوفيق، و الإعانَة .
نسألُ الله أن يُسهِّل أمرك، وأن يُقدِّر لك الخير، وأن يُعينك على هذه المرأة، وأن يكتُب لك كُلَّ ما فيه الخير، و الصَّلاح.
نشكُر لك حِرصك على بيَتك، و حرصَك على التَّعايش مع والدة الزَّوج، رغم ما قابلتِ من مشاكل.
حقيقةً، لا يقتصرُ الزَّواج على ارتباطٍ بين شخصين فقط، بل يَنْطوي أيضًا على تعايُش عائلتين مُختلفتين، وهذا أَمر طبيعي، وقد لا يُحالف الحظ بعض الأزواج بالالتقاء بحماة طيِّبة يُمكن أنْ يُقيموا معها علاقاتٍ جيِّدة، و مُستقرة، وهادئة، وإذا حصل هذا الأمر فلا بُدَّ من التَّفكير بحل المُشكلة، وليس بالانسحاب، أو الهرب.
تذكَّري أن حياتك مع هذا الزَّوج تحتاج إلى اهتمام أكبر، وفهم أعمق، فأنتِ عندك طفلة، وعندك مُستقبل، و البُيوت لا تخلو من المشاكل، و الحل في التفاعل مع هذه المُشكلة بإعطاءها حجمها الطَّبيعي، وعدم الانسياق وراء الاستفزازات التي لا تخدم مصلحتك.
ومن خلال رسالتك الطّويلة يتَّضح أنَّك تفصيليَّة، و حسّاسة لأيّ كلمة، ولا بُد من أن تهتمِّي بعدم الاندفاع وراء العواطف، والتَّفكير في ظاهر الكلام، وحاولي تخفيف التأثُّر بالمواقف بقدر الإمكان، ولا تُركِّزي على التَّفاصيل المُزعجة، والمؤلمة، ونسيان الماضي المُوجع، وزيادة الثّقة في النَّفس، لكي لا يتسلّل إليك الحُزن، و تستطيعين إعادة بناء حياتك من جديد.
وفيما يخُصّ زوجُك فهو يتَّصف بضعف الشخصية، وهذا الأمر يحتاج إلى علاج، وكذلك لا يحِقّ للزَّوج أن يُرضِي أُمَّه بظُلم النَّاس، فحُجَّةُ الضَّعيف أن يقُول أُريد أن أبُرَّ بأُمِّي، والبر ليس بالظلم، و البِرّ له حُدود ليس من البرِّ طاعة الوالدين في التَّدخل في الحياة الزَّوجية، وهدم البيوت، ولا يجب على الابن أن يُطيع والديه في ذلك؛ ما دام أنه لا يوجد مُبرّر شرعي، وهذا لا يُعدُّ من العقوق أو الإثم في شيء، وعليه أن يرفِق بها و يتلطَّفُ معها، و يتحايل بالحكمة في أمره بما يحقق المصلحة لنفسه وأهله بيته، وبما لا يُغْضِب والديه.
ولحل المُشكلة يجب ألا تُصادمي التيَّار مُباشرة، عليك بالمُداراة، ولا تتوقَّعي الحلَّ في وقت سريع؛ تحتاجين إلى تخطيط بعيد المدى، وانتظار لنتيجة هذا التَّخطيط، وتحتاجين أيضاً إلى صبْر فإذا كان هدفُك كسبُ الزَّوج وإعادة الحياة ستُحقِّقين ذلك -بإذن الله-.
حافظي على بيتك، و غيِّري طريقة تعاملك مع زوجَك من جهة بالتَّجمُّل، و الطَّاعة؛ فكثرة المشاكل تُؤدي إلى هذا الأمر، ولا تُدخلي أمر أُمَّه، و تَدَخُّلَهَا في عدم طاعة زوجك، وإهمال حقوقه، وواجباته، واعلمي أَنَّها إن أساءت؛ فإنَّ الإِساءة تعُود عليها بحسناتٌ تُكتب لك عند الله سُبحانه، ولن تستطيعي أن توقفي حركةَ الزَّمن أو تُغيِّري هذا الوضع، لكنَّك تستطيعين أن تُقابلي الإساءة بالإحسان كما فعلتِ في البداية، تستطيعين أن تَحتسبي الأجْر عند الله تعالى من أجل مصلحة بنتك الصغيرة، ومن أجل سعادتَك و سعادَة زوجك أيضًا.
و امتدحي أُمَّه كي تُحِبَّك، فمهما كان الأمر من سوء فالكلمة الطيبة تُثمر دائماً، فإن أثنيتُ عليها كسبتِ أمرين مُهمًين الأول: رضا الزوج فهو يُحب أُمَّه ويرتاح عندما يسمع كلاماً طيباً فيها، و للكلمة الطَّيبة أثرٌ عميق جداً في النَّفس الإنسانية،
والأمر الآخر: أنَّك تكسيبن أُمَّه من جهتك.
و انتبهي لنُقطة مُهمَّة فأيَّ إنسان إذا قيل له والدتك سيئةُ، أو أختُك سيئة، وهكذا، فإنَّه يتضايق، حتّى لو كان سوء أمَّه معروفا لديه، فإنّ الكلام فيها مُضايق له، فأنتِ في الأساس ترفضين أن يَسُبَّ أحداً والدَك، أو والدتَك، حتى ولو كانا مُقصِّرين، فما بالك بزوجٍ ضعيف الشخصية، ويميل إلى أُمِّه من باب البِر، وقد ذكرتِ في رسالتك وقلتِ: ( أنَّ زوجي يقول: "إنِّي أكره أُمَّه" ) ، وهذا بسبب الشَّكوى منها، لا بُد من أن تَتَودَّدي إليه بحُب أُمَّه حتى يكون هذا الحّب طريقاً لمحبَّة زوجك لك، كوني دبلوماسيَّة، لا تأخذي الأمر بتحدِّ مع أُمّه، فإذا وضعتك في مُخيلتها، و ناصبتك العداء؛ فطبيعي أن يكون عندها سند لضعف ابنها، فلا تدخلي معركة خاسرة، فالأُمّ هي الأقوى، والدبلوماسية في الحلّ هي الانتصار، فمهما طال الأمر فلن تستمر العداوة، فعندما تكسبي زوجك بحُسن التعامل فعلى المدى الطويل سيتغيَّر -بإذن الله-، وعندما تُدارين أُمَّه أيضاً ستأمنين شرها، و عداوتها ولو بتخفيف وطأة الحقد حتى تزول العداوة شيئاً فشيئاً، و رُبَّما يُغيِّر الله الحال بشيء يخُص والدته.
قد تكون شخصيَّتك قوية بعكس زوجك، ولا تُحبِّين التَّدخل في حياتك، فلا بُدَّ من التنازل مع الاحتفاظ بقُوَّتك، تنازلي لزوجك، ولا تدعي أُمَّه تُؤثر على نفسيتك، و تُحطمها، فحالتك النُفسية تغيَّرت كثيراً بسبب هذه المُشكلة، ولا بُدّ من أخذ راحة نفسية، وتغيير الجو بين الحين والآخر، والخروج من دوامة المَشاكل بتغيير المكان و بالهدوء النفسي، وعدم التَّفكير في المشكلة ذاتها.
من المهم جدًّا أن تُحيدي لحظات الأسى، ولحظات الحُزن، فالذي يضايقك الآن هو أنك تفكرين بطريقة سلبية، تُفكِّرين في المُستقبل بعين غير راضية، زوجك لديه بعض الإيجابيات استغلِّيها في صالحك، و غُضي الطرف عن السيئات، و تصرَّفي بذكاء، وعيشي حياتك باطمئنان، وسعادة داخلية.
هذه المُشكلة أفقدتك ثقتك بنفسك، يجب أن تعيدي الثقة بالنفس مرَّة أخرى، مُهمّ أن تقرئي عن إعادة الثِّقة بالنَّفس و التَّغلب على المصاعب.
وينبغي ألا تكرري الشكاية لزوجك، لأنها في النهاية أُمّ له، وعندما تكررين الشكاية فإنما تجددين الجراح، وهو يتألم لذلك.
ومن الأمور المُهمَّة التي يجب التَّنبه لها :
أولاً: ماأصابنا من المشاكل هو بسبب أنفُسنا يقول سبحانه : ( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ )، [النساء-٧٩]، فيجب أن نصلح ما بيننا وبين الله سبحانه، ونعود إليه و نلجأ إليه.
ثانياً: لا بُد من التَّوبة إلى الله سُبحانه من المعصية، وعدم الرجوع إليها، والابتعاد عمَّا يُغضب الله -عز وجل-، فإذا تاب الإنسان من معاصيه فسيتغير حاله، وتزول مشكلته، يقول سبحانه : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ , [الرعد: 11] .
ثالثا: البر بالوالدين من الأمور التي نَكسب بها رضى الله -سبحانه وتعالى-، يقول سبحانه : ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾, [مريم: 32]،. وكما أنَّ طاعة الوالدين من الأمور التي تجلب السعادة، ودعوة الوالدين لأبنائهم مستجابة -بإذن الله-، فلماذا نحرم أنفسنا من هذا الخير العظيم.
رابعاً: من يبحث عن الراحة والسعادة في حياته فلن يجدها إلا بالعودة إلى طاعة الله، ورضوانه، يقول سُبحانه : ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾, [هود: ٣]، ويقول سبحانه ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ , [النحل: 97] .
خامساً: عليك بالصلاة، والمحافظة عليها في أوقاتها، فلها أهمية كبيرة في الرَّاحة النَّفسية، فقد كان -صلى الله وسلم- يقول: (يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها)، [رواه أبو داود] ، وكان -صلىَّ الله عليه وسلم-, إذا حزبه أمر فزع إلى الصَّلاة، فالصَّلاة أمرها عظيم، ولها تأثير على من يؤديها بخُشوع وخُضوع .
سادساً: الالتجاء إلى الله بالدعاء، والتضرع له، يقول سبحانه : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ ، [البقرة: 186]، ففي دعاء الله -سُبحانه وتعالى- تفريج للكُربات، يقول سبحانه : ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾, [يوسف: 86]، فلا نشكو لغير الله سبحانه، نشكو إليه أحزاننا و آلامنا و حوائجنا، يقول سبحانه : ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾.
خاتمة :
مامر بك أختي الكريمة؛ أمر قد قدَّره الله عليك، ويجب الرِّضا بقدر الله سُبحانه، وتعالى ويقول -صلى الله عليه وسلم- :
( ذاقَ طعمَ الإيمانِ من رضيَ باللَّهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا و بمحمَّدٍ -صلَّى اللَّهُ عليه وسلم- نبيا )، [صحيح مسلم: ٣٤]. ولا بد من اليقين بأن الله سبحانه سيزيل هذا الهم، وهذا الألم، ولا بد من التوكل على الله سبحانه في كل أمر فهو المُلتجأ سُبحانه.
وعليك بكثرة الدعاء لزوجك و لأمِّه بالهداية، فالله على كل شيء قدير، وهو قادر على الإصلاح فقلوب العباد بين يديه يقلبها كيف يشاء، وقد أمر سبحانه بالدعاء ووعد بالإجابة، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، [غافر: 60]. وقال أيضاً: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة : 186 ]. فأكثري من الدعاء لنفسك، ولزوجك، والدعاء - بإذن الله - سيُغيِّر الحال إلى الأحسن.
نسأل الله -تبارك وتعالى- لك التَّوفيق والسداد، و نسألُه -سُبحانه وتعالى- أن يسهِّل أمركِ و يُسعدَك، و يوفقَك، و يدلك على طريق الخير، والسعادة، وأن يكفيك همَّك ، وأن يُفرِّج كُربتك و يُصلِح زوجك و أمَّه، وأن يهديهم إلى الصِّراط المستقيم، والله الهادي إلى سواء السبيل.