الرد على الاستشارة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياك الله وشكرا لثقتك بمنصة المستشار ، ونسأل الله السداد في تقديم مشورة تفيدك -بإذن الله- و تنتفع بها.
يتضح من استشارتك أن لديك القدرة على الصبر والتحمل لفترات طويلة وهذه ميزة بشخصيتك.
وكل الفترات التي صبرت فيها على المشاكل الأسرية التي مررت بها مليئة بالأجور إن كنت محتسبا .
وكونك تشعر بالضيق والخوف والقلق المستمر بالبيت فهذا قد يكون بسبب تكرار المشاكل وربما منذ صغرك .
لكن يبدو أنك الآن قد أصبحت واعيا و مدركا و باستطاعتك تجاوز ما مضى .
أصبحت قادرا على اتخاذ القرارات و أظن أنك اكتسبت صفة الحلم والصبر ، وهذا من رحمة الله بك .
أما بالنسبة للأسرة و تفككها... فلا شك في أن لذلك الأثر على نفسية الأبناء ولكن..هذا لا يعني أن نستسلم للسبب ونستمر في ضيقنا، فالدنيا دار ابتلاء..كل واحد فيها لديه من الهموم والمشاكل المختلفة، ماذا نفعل إذا؟ كيف نتحمل؟ ما الذي يصبرنا؟ ولماذا نصبر؟
إننا نعيش في هذه الدنيا بالهدف الذي خلقنا لأجله، أن نتعبد الله بصبرنا أن نستعين به على متاعبنا، أن نلجأ إليه و نتوكل عليه..فيبتعد هنا قلقك وتطمئن نفسك لأنك تشعر أنك لست وحدك أبدا، فلك رب يرعاك و يلطف بك رغم كل ما مررت به إلا أن رحمته كانت ترافقك من حيث لا تشعر .
ثم ماذا بعد اعتصامنا وصبرنا بالله في الدنيا ..؟
{ سَلَـٰامٌ عَلَیۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ } ،
[سُورَةُ الرَّعۡدِ: ٢٤]
هناك سوف ترى السلام الذي لا يشوبه خوف أبدا ، فلا خوف عليك هناك ولا أنت تحزن بل خالدا منعما في نعيم مقيم لا ينقطع.
وكيف أتعامل إذا مع أسرتي..؟
وكيف أتعبد الله في تعاملي معهم و استعين به..؟
انظر بماذا أوصاني الله في كتابه..؟
مالعبادة التي جاءت بعد التوحيد مباشرة ..؟
{ ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنًاۚ إِمَّا یَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَاۤ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَاۤ أُفࣲّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلࣰا كَرِیمࣰا (٢٣) وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّیَانِی صَغِیرࣰا (٢٤) رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِی نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُوا۟ صَـٰلِحِینَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّ ٰبِینَ غَفُورࣰا (٢٥) } ،[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٢٣-٢٥] .
حتى لو كانوا كثيرين المشاكل ..؟ حتى لو كنت لا أتحمل القرب منهم بسبب مشاكل الإخوة..؟ حتى لو بلغت مرحلة كرههم بسبب ما أشعر به من مشاكلهم ..؟
نعم...بل حتى لو أمروك و جاهدوا في إجبارك على الشرك بالله وهو أعظم الذنوب وأعظم الظلم.
علينا أن نرحمهم...فقد قدر الله أن يكونوا هكذا وقدر الله على كل ما جرى ...وليس عليك إلا أن تتعبد الله ببرهم إن كانوا أحياء والصبر على كل الأذى لأجل رضاهم .
وماذا لو كان السبب بالمشاكل هم الإخوة..؟
إذا ليس للوالدين ذنب في الابتعاد عنهم إن كانوا أحياء، فلا تحرم نفسك برهم وجاهد و استعن بالله ولا تعجز، لاشك أنك تريد أن تكون معهم في جوٍ عائلي بلا مشاكل أبدا ،
لكن إن لم يحصل ما تريد فلا تتنازل عن سبب توفيقك بالدنيا فبرهم سبب مهم جدا .
وماذا عن الإخوة..؟ لديك قدوة كبيرة في التعامل معهم ، لذلك أوصيك بقراءة سورة يوسف -عليه السلام- وتفسيرها و تدبرها جيدا وتأمل حزن والده على بعده وتأمل كيد إخوته له وكيف نجاه الله من معاناة كثيرة وشديدة..وكيف بعد كل ذلك التفكك لم الله شملهم وهدى إخوته وعفا عنهم .. !
أوصيك بقراءة التفسير لسورة يوسف و التدبر المكثف لآية رقم (١٠٠) .
ففيها جبر لقلبك وترتيب لمشاعرك .
فيوسف -عليه السلام- تأمل وذكر نعمة الله بعد كل ما جرى به من ابتلاءات وكان مدركا حقيقة العدو الذي نزغ بينه وبين إخوته وعفا عنهم.
لذلك لا تحزن وتوكل على الله و بادر أنت بصلتك حتى لو لم تجد استجابة تسعدك .
أنت في صلتك تنوي رضى ربك و محتسبا عنده أجرك و ثوابك ولا تنتظر منهم مقابلة الوصل بالوصل ، بادر باتصال..برسالة...جرب ولو زيارة ،
أما إن كان والديك على قيد الحياة ولم ترهم منذ سنة، فارحم -يا رعاك الله- نفسك...و بادر واقترب وتحمل ، عد ولكن بقلب صابر محتسب و شخصية متفهمة ونية مخلصة لوجه الله..
ولا تستمر في عزلتك..أنت تدرك تماما أنها تزيدك ضيقا لذلك اقطعها ولو تدريجيا بالبداية .
وابحث عن مجتمعات تحبها و تفيدك ،
كحلقات التحفيظ بالمساجد ففيها من الراحة والطمأنينة التي تحتاجها ، وجرب رياضة تعجبك..و اختلط وصاحب الصديق الناصح ... لا تنتظر من يمسك بيدك ليخرجك أنت انهض متوكلا و بادر بنفسك .
انظر ولو أشياء بسيطة تسعدك..ولا تستسلم.
و أوصيك أن تذهب لعيادة مختص نفسي فلا شك أن هناك مواقف قديمة لا زالت تؤثر بك...لا بأس تحدث عنها وعن أثرها واطلب المساعدة من شخص متخصص في فهمك و توجيهك -بإذن الله- ستكون أفضل, فتفائل خيرا و ابذل الأسباب و استعن بالله ولا تنتظر الحال أن يتغير من نفسه.
وعليك بأذكارك (صبح ومساء) ، وبعد الصلوات فهذا حصن لك وحصن حتى لنفسيتك..وحافظ على صلواتك بخشوعها ووقتها..ولا تتوقف عن الدعاء أبدا ، أنت تعبد الله الذي خلقك وخلق أسرتك والذي لا يعجزه شيء وقادر أن يصلح ذات بينكم و يؤلف بين قلوبكم و يهديكم سبل السلام.
ولا تتردد في تقديم استشارة أخرى..منصة المستشار على استعداد لتلبيها و الإجابة عنها -بإذن الله- .
شرح الله صدرك ويسر أمرك وفرج همك..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .