فن الاحتواء في الأسرة: كيف ومتى؟
42
فؤاد عبدالله الحمدمدير النظام

الأسرة هي اللبنة الأولى والأساسية في بناء المجتمع، ونجاحها يعكس استقرار المجتمع وتماسكه. ومن أهم عوامل نجاح الأسرة هو فن الاحتواء، الذي يشكل ركيزة أساسية لبناء علاقات صحية بين أفرادها. فالاحتواء لا يعني فقط تقديم الدعم المادي أو المعنوي، بل يشمل أيضًا فهم مشاعر الآخرين، وتقديم الحب غير المشروط، وخلق بيئة يسودها الأمان والدفء العاطفي. فما هو هذا الفن؟ وكيف ومتى نمارسه في الأسرة؟

مفهوم الاحتواء في الأسرة
الاحتواء يعني أن يكون الفرد قادرًا على تقبل الآخر بمشاعره وأفكاره، حتى وإن اختلفت عن قناعاته الشخصية. فالاحتواء في الأسرة يتجلى في الاستماع الفعّال، والتفاهم المتبادل، والتسامح، والتواصل العاطفي الذي يعزز الترابط الأسري.

مظاهر الاحتواء في الحياة الأسرية
1. الاحتواء العاطفي:
ويظهر في التعبير عن الحب والتقدير بين أفراد الأسرة، سواء بين الزوجين أو بين الآباء والأبناء. فالكلمة الطيبة، والابتسامة، والعناق، كلها وسائل بسيطة لكنها فعالة في خلق شعور بالأمان والانتماء.
2. الاحتواء الفكري:
ويعني تقبل اختلاف الآراء والأفكار داخل الأسرة، حيث يجب أن يشعر كل فرد بأن له مساحة للتعبير عن رأيه دون خوف من الانتقاد أو الرفض.
3. الاحتواء في الأزمات:
تمر كل أسرة بمواقف صعبة أو أزمات تحتاج إلى احتواء المشاعر السلبية مثل الحزن أو الغضب. هنا يظهر دور الاحتواء في تهدئة النفوس، والبحث عن الحلول المناسبة للمشكلات بروح جماعية.

كيف نمارس فن الاحتواء في الأسرة؟
1. الاستماع الفعّال:
يقول الله تعالى: "وَجَعَلْنَا لَكُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المؤمنون: 78). فالاستماع هو مفتاح الفهم والتواصل الفعّال. لذلك، من المهم أن يُظهر الآباء اهتمامهم بمشاكل أبنائهم، وأن يخصصوا وقتًا للاستماع لهم دون مقاطعة أو تقليل من شأن مشاعرهم.
2. التعبير عن المشاعر:
قال رسول الله ﷺ: "من لا يرحم لا يُرحم" (رواه البخاري). فالتعبير عن المشاعر الإيجابية مثل الحب والحنان يعزز العلاقة بين أفراد الأسرة، ويشعرهم بالاحتواء والدفء.
3. التسامح والصفح:
التسامح من القيم الأساسية في الإسلام، وقد أمرنا الله به في قوله: "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ" (النور: 22). فعندما يخطئ أحد أفراد الأسرة، يكون التسامح والاحتواء هو السبيل الأمثل للحفاظ على استقرار العلاقة.
4. خلق بيئة داعمة:
يجب أن يشعر كل فرد في الأسرة بأنه مدعوم ومحمي. لذلك، من المهم أن يعزز الآباء الثقة في أبنائهم، ويشجعوهم على مواجهة التحديات بثقة.
متى نمارس الاحتواء في الأسرة؟
1. في أوقات الفرح:
من الضروري أن يُحتفى بالإنجازات الصغيرة والكبيرة لأفراد الأسرة، مما يعزز شعورهم بالتقدير والانتماء.
2. في أوقات الأزمات:
سواء كانت الأزمة مالية، أو صحية، أو اجتماعية، فإن الاحتواء هو العامل الذي يساعد الأسرة على تجاوز المحن بروح من التعاون والتضامن.
3. في مرحلة المراهقة:
تعتبر هذه المرحلة حساسة جدًا، حيث يحتاج الأبناء إلى احتواء خاص يوازن بين التوجيه والحوار المفتوح الذي يعزز الثقة ويقلل من التوتر.

أثر الاحتواء في الأسرة
الاحتواء يثمر التماسك الأسري، ويجعل الأسرة قادرة على مواجهة تحديات الحياة بقوة. كما يساهم في تنشئة أفراد يتمتعون بثقة عالية بالنفس، وقادرين على بناء علاقات صحية مع الآخرين. ولعل أبرز ثمار الاحتواء هو تحقيق السعادة الأسرية، حيث يشعر كل فرد أنه مقبول ومحبوب بغض النظر عن أخطائه أو اختلافاته.

ختاماً أيها المباركون؛ فن الاحتواء الأسري ليس مجرد مهارة، بل هو قيمة إنسانية ودينية عظيمة. وقد حثّ الإسلام على التراحم والتواصل الفعّال بين أفراد الأسرة، لما لذلك من أثر إيجابي على الفرد والمجتمع. فلتكن بيوتنا واحاتٍ من الحب والاحتواء، لأن الأسرة المتماسكة هي حجر الأساس لمجتمع قوي ومترابط.

--------------------------------------------------
إعداد أ. فؤاد بن عبدالله الحمد - مستشار تربوي
تقييم اللقاء
مشاركة اللقاء
تعليقات حول الموضوع

مقال المشرف

«الطلاق».. والأبعاد الخفية

«ولولا أنَّ الحاجة داعيةٌ إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلَّت عليه الآثار والأصول، ولكنّ ....

شاركنا الرأي

للتنمر آثار سلبية على صحة الطفل وسلامه النفسي والعاطفي. نسعد بمشاركتنا رأيك حول هذا الموضوع المهم.

استطلاع رأي

رأيك يهمنا: أيهما تفضل الإستشارة المكتوبة أم الهاتفية ؟

المراسلات