الطمأنينة في الأقدار: أقدار الله حكمة تدعو للتفاؤل والثقة
59
فؤاد عبدالله الحمدمدير النظام
عزيزي القارئ الكريم
حديثي اليوم معك عن موضوع الثقة في أقدار الله تعالى وبيان حكمة الله تعالى في ذلك وكيف أن المؤمن الحق هو ما قال فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). رواه مسلم.

الثقة في تقديرات الله تعالى أو لنكون أكثر دقة.. الثقة في القدر! هو في حقيقة الأمل أساس الإيمان وهو الركن الخامس من أركانه، كما دل على ذلك حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان ، فقال : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى ) متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل شيء بقدر حتى العجز والكَيْس ) رواه مسلم .

الثقة في تقديرات الله تعالى هي أساس حياة المؤمن، فهي التي تجعله ثابت القلب، هادئ النفس، ومستقر الروح مهما تقلبت عليه الأحوال. إن الإيمان بأن ما قدّره الله لنا هو الخير، سواء أدركناه أم لم ندركه، هو أحد مفاتيح السعادة والرضا في هذه الحياة. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216). هذه الآية تذكرنا بأن الله يعلم ما لا نعلمه، وأن كل شيء يحدث لحكمة ربانية لا تخفى عليه.

قصة مؤثرة: يوسف عليه السلام

من أعظم الأمثلة التي تبعث في النفس الأمل وتغرس الثقة في تقديرات الله، هي قصة نبي الله يوسف عليه السلام. حين أُلقي في البئر، وبيع كعبد، ثم سُجن ظلماً، كان كل ما يمر به يبدو صعبًا ومؤلمًا. لكن رغم كل هذه الابتلاءات، لم يفقد يوسف ثقته بالله، بل ظل مؤمناً بأن الله لن يخذله. وفي النهاية، جعل الله من تلك المحن طريقاً إلى التمكين والرفعة، إذ أصبح يوسف وزيرًا في مصر وجمع الله به شمله مع أهله. حتى قال عليه السلام في نهاية الأمر - قوله تعالى : " رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّٰلِحِينَ " - سورة يوسف. ثم أختتم الأمر بقوله تعالى : " لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ". - سورة يوسف 111

دروس من الحياة: الأمل بعد العسر

في حياتنا اليومية، قد نمر بمواقف نشعر فيها أن الأمور لا تسير كما نريد، أو أن الصعوبات قد طغت على ما كنا نأمل. لكن في كل مرة، يفتح الله لنا أبوابًا جديدة لم نكن نتصورها. هناك قصة معروفة عن رجل تعرض لخسارة كبيرة في عمله، فظن أن مستقبله قد انتهى. ولكنه بعد ذلك أدرك أن تلك الخسارة كانت بداية لمشروع جديد أنجح وأكبر مما كان يتوقع.

الثقة والرضا: مفتاح السعادة

الثقة في الله لا تعني فقط أن نقبل ما يحدث لنا، بل أن نؤمن بأن وراء كل تجربة خيراً عظيماً، حتى وإن لم نره في الحال. يقول الله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 5-6). هذا الوعد الإلهي يذكرنا بأن مع كل عسرٍ هناك يسران وليس يسراً واحداً، وأن الفرج قريب مهما اشتدت المحن.

ختامًاً يا صديقي، تذكر أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من أنفسهم، وأن كل ما يقدره لنا هو لحكمة عظيمة. قد لا نرى الخير في الحال، لكن الثقة في تقديرات الله تعالى ورحمته سبحانه... كل ذلك ما يجعلنا قادرين على المضي قدماً في هذه الحياة.

إذا واجهتك أي صعوبات أو تحديات في الحياة، فتذكر قوله تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" (الطلاق: 3). ضع ثقتك بالله، وأعلم أن ما يقدره لك هو الخير، وستجد أن الأبواب ستفتح لك بما لم تكن تتوقع.

الثقة في الله هي النور الذي يضيء لنا الطريق في أصعب اللحظات، فلا تفقد أملك، وتوكل على الله دائمًا.
تقييم اللقاء
مشاركة اللقاء
تعليقات حول الموضوع

مقال المشرف

الوطن هو الأب الثاني لكل إنسان

الوطن هو الأب الثاني لكل إنسان، هو أمه الأخرى التي ربته ورعته وحرسته بالرجاء والأمل، هو السياج الآمن ....

شاركنا الرأي

للتنمر آثار سلبية على صحة الطفل وسلامه النفسي والعاطفي. نسعد بمشاركتنا رأيك حول هذا الموضوع المهم.

استطلاع رأي

رأيك يهمنا: أيهما تفضل الإستشارة المكتوبة أم الهاتفية ؟

المراسلات