كيف تتوقف عن التعلق العاطفي المرضي؟
33
" التعلق العاطفي هو حب طرف لطرف آخر، لكن هذا الحب يصل لحد التعلق الزائد مما يُؤدي لمشكلات كثيرة للمُحب وللمحبوب، حيث قد يُسبب هذا التعلق إعاقة الحياة الطبيعية لكلاهما. التعلق العاطفي بالرغم من أنه ناتج عن شعور سامي وهو الحب، إلا أنه غير جيد نفسيًا وخاصةً على المُحب ".

يُطلق أحيانًا على الاعتماد العاطفي المتبادل اسم إدمان العلاقات، إنه حالة عاطفية وسلوكية تعيق قدرة الفرد على تطوير علاقة صحية مليئة بالرضا المتبادل.

قد يكون هذا الوضع محبطًا ومدمرًا، لكن ثمّ أمور يمكن فعلها لتعلم كيفية التوقف عن التعلق العاطفي المرضي، مثل:

البحث عن علامات العلاقة الصحية.
إقامة حدود صحية للعلاقة.
الاهتمام بالنفس.
الحصول على المساعدة من مختص الصحة النفسية.

بدايةً، استُخدم مصطلح «التعلق العاطفي» لوصف شريك لشخص يعاني الإدمان، والذي تؤدي خياراته غير الصحية إلى استمرار هذا الإدمان. بمرور الوقت، توسع هذا المفهوم ليشمل أيضًا الأشخاص الذين يحافظون على علاقات غير متوازنة، مدمرة أو عنيفة، وذلك أوسع نطاقًا من العلاقات العاطفية.
علامات التعلق العاطفي المرضي:

الأفراد الذين يدخلون علاقة اعتمادية لديهم نوايا حسنة، فهم يرغبون في رعاية أحد أفراد العائلة الذين يواجهون صعوبات، لكن تصبح جهودهم قمعية وغير صحية، تشمل بعض علامات التعلق العاطفي المرضي:

الرغبة في أن يكون الآخرون بحاجة إليهم: إن محاولات الشخص إنقاذ أحبائه ودعمهم تؤدي إلى أن يصبح الطرف الآخر أكثر اعتمادًا عليه، غالبًا ما يمنح العطاء الشخص إحساسًا بالرضا ما دام يحصل على التقدير.
قد يشعر الشخص بأنه محاصر وقد يشعر بالاستياء، غالبًا ما تنعكس خيارات الشخص في علاقة التعلق المرضي سلبيًا عليه، وقد يشعر بالعجز وعدم القدرة على الابتعاد عن العلاقة، أو عدم القدرة على تغيير تفاعلاته مع الآخر.
غالبًا ما تتدهور علاقة الشخص بشريكه بمرور الوقت، إذ تكون مليئة بالقلق والإحباط والشفقة، بدلًا من الحب والارتياح.

بالنسبة إلى بعض الأفراد، يصبح الانخراط في علاقات مرضية شائعًا، إذ يبحث هؤلاء الأشخاص عن الصداقات أو العلاقات العاطفية التي تظهرهم بصورة الشخص المُضحّي. نتيجةً لذلك، يكرسون كل وقتهم لرعاية الآخرين ويغفلون تمامًا عما يعدّونه مهمًا لهم.

قد يظهر التعلق العاطفي المرضي بأشكال مختلفة، لكن جوهر علاقة التعلق العاطفي المرضي هو أن الشخص الذي يعتمد الطرف الآخر عليه يغفل عن احتياجاته ورغباته الشخصية، ما يضر به وبشريكه.
أمثلة عن التعلق العاطفي المرضي:

ما يلي بعض الأمثلة لكيفية ظهور علاقة تعلق مرضي، في العلاقات بين الوالدين والأبناء:

قيام الوالدين بكل شيء من أجل ابن بالغ يجب أن يكون مستقلًا.
إحساس الوالدين بأن حياتهم أو وظيفتهم الرئيسية هي توفير الدعم المالي لابن بالغ.
عدم منح الطفل الفرصة للقيام بأي شيء مستقلًا.
التضحية بكل شيء للعناية بالوالدين.
إهمال المسؤوليات والعلاقات الأخرى للاستجابة لمطالب الوالدين.
عدم مناقشة المشكلات في العلاقات العائلية أو السلوكيات العائلية.

على مستوى العلاقات العاطفية، يتضمن التعلق العاطفي المرضي:

تكريس وقت وجهد كبير لرعاية شريك يعاني مشكلة إدمان الكحول أو المخدرات.
تبرير سلوكيات الشريك السلبية أو إخفاء هذه السلوكيات.
إهمال الاهتمام بالنفس، أو العمل، أو العلاقات الأخرى للعناية بالشريك.
تشجيع سلوكيات مدمرة أو غير صحية لدى الشريك.
عدم السماح للشريك بتحمل مسؤولية حياته الخاصة.
عدم منح الشريك الفرصة للحفاظ على استقلالية حياته.

لماذا يظهر التعلق العاطفي المرضي؟

يتعلم الفرد التعلق العاطفي المرضي بمشاهدة أفراد الأسرة الآخرين الذين يُظهرون هذا النوع من السلوك وتقليدهم، والذي غالبًا ما ينتقل من جيل إلى جيل. لذا فإن الطفل الذي نشأ وهو يشاهد أحد الوالدين في علاقة تعلق مرضية قد يكرر هذا النمط.

يظهر التعلق العاطفي المرضي في الأسر المفككة، إذ غالبًا ما يعاني أحد أفراد الأسرة الغضب أو الألم أو الخوف أو الخجل الذي يُنكر أو يُتجاهل. قد تشمل المشكلات الأساسية التي تساهم في هذا الخلل:

الإدمان على المخدرات أو الكحول أو العمل أو الطعام أو الجنس أو القمار أو العلاقات.
الإساءة «الجسدية أو العاطفية أو الجنسية».
مرض جسدي مزمن، أو مرض نفسي.

يتجنب الأفراد في التعلق العاطفي المرضي مواجهة المشكلات ضمن الأسرة. فهم لا يُثيرون القضايا، بل يكبتون عواطفهم ويتجاهلون احتياجاتهم بهدف العناية بالشخص الذي يواجه صعوبات.

يذهب كل الاهتمام والطاقة نحو الفرد المسيء أو المريض أو المدمن، إذ عادةً ما يضحي الفرد المُضحي بجميع احتياجاته الخاصة لرعاية أحد أفرد الأسرة الذي يعاني، وعادةً ما يعانون عواقب اجتماعية وعاطفية وجسدية لأنهم يتجاهلون صحتهم ورفاهيتهم وسلامتهم.
عوامل الخطر:

تزيد عوامل معينة الخطر، حدد الباحثون عوامل خطورة غالبًا ترتبط بالتعلق العاطفي المرضي:

نقص الثقة بالذات أو بالآخرين.
الخوف من الوحدة والهجر.
رغبة في السيطرة على الآخرين.
الغضب المستمر.
الكذب المتكرر.
ضعف مهارات التواصل.
صعوبة اتخاذ القرارات.
مشكلات في العلاقات الحميمة.
صعوبة وضع حدود.
صعوبة التكيف مع التغيير.
حاجة مفرطة إلى الموافقة والاعتراف.
رد فعل سلبي عندما لا يعترف الآخرون بجهودهم.
تحمل أعباء العمل على نحو زائد دائمًا.
الخلط بين الحب والشفقة.
إحساس مبالغ فيه بالمسؤولية عن أفعال الآخرين.

تشير الدراسات إلى أن التعلق العاطفي المرضي شائع بين البالغين الذين نشؤوا في بيوت تتسم بمشكلات إدمان المخدرات لدى أحد الوالدين، والذين يعيشون في بيئات أسرية محفوفة بالضغوط النفسية المستمرة، ويواجهون تحديات تربية الأطفال الذين يعانون مشكلات سلوكية، وكذلك الأشخاص الذين يعتنون بأفراد عائلتهم المصابين بأمراض مزمنة. وتشير البحوث إلى أن النساء أكثر ميلًا لإظهار التعلق العاطفي المرضي مقارنةً بالرجال.

الأفراد العاملون في مجال الرعاية والمساعدة أكثر عرضة للوقوع في التعلق العاطفي المرضي. تشير التقديرات إلى أن ثلث الممرضات لديهن مستويات متوسطة إلى شديدة من التعلق العاطفي المرضي. يجب على الممرضين أن يكونوا حساسين لاحتياجات الآخرين، وغالبًا ما يضطرون لتجاهل مشاعرهم من أجل مصلحة مرضاهم. قد يشعر الممرضون بالارتياح عندما يستطيعون مساعدة الآخرين، ما قد ينعكس على حياتهم الشخصية.
طريقة تشخيص التعلق العاطفي المرضي:

رغم عدم إمكانية تشخيص التعلق العاطفي المرضي عبر تحليل مخبري أو فحص للدماغ، يمكن أن يطرح الشخص بعض الأسئلة على نفسه للمساعدة في التعرف على سلوكيات التعلق المرضي، مثل:

هل أجد نفسي مضطرًا لمساعدة الآخرين؟
هل أحاول السيطرة على الأحداث وسلوك الآخرين؟
هل أشعر بالخوف من السماح للآخرين بأن يكونوا كما هم وترك الأحداث تسير طبيعيًا؟
هل أشعر بالخجل من شخصيتي؟
هل أحاول السيطرة على الأحداث والناس بواسطة العجز والذنب والتهديد والمشورة والتلاعب والهيمنة؟
هل أجد صعوبة في طلب المساعدة من الآخرين؟
هل أشعر أني ملزم بمساعدة الناس في حل مشكلاتهم، بتقديم النصح مثلًا؟
هل أحاول غالبًا إخفاء ما أشعر به حقًا؟
هل أتجنب غالبًا مناقشة المشكلات بصراحة؟
هل أحاول دفع الأفكار والمشاعر المؤلمة بعيدًا عن ذهني؟
هل ألوم وأنتقد نفسي؟

إذا كانت الإجابة عن معظم هذه الأسئلة بنعم، فقد يكون ذلك علامة على أن الشخص يتبع نمط التعلق العاطفي المرضي في علاقاته مع الآخرين. وتلك خطوة مهمة في تعلم كيفية الكف عن هذا السلوك.
كيفية التوقف عن التعلق العاطفي المرضي:

قد يتغلب بعض الأفراد على التعلق العاطفي المرضي بأنفسهم، إذ قد يكون تعلم معنى التعلق العاطفي المرضي والضرر الناجم عن هذا السلوك كافيًا لبعض الأفراد لتغيير سلوكياتهم. يمكن اتخاذ خطوات مثل:

البحث عن علامات العلاقة الصحية.
احترام الحدود ضمن العلاقة.
الاعتناء بالنفس.

العلاج:

تشير الأبحاث إلى أن عدة أنواع مختلفة من جلسات العلاج قد تكون فعالة في تحسين جودة الحياة الشخصية وتعلم كيفية التوقف عن التعلق العاطفي المرضي.
العلاج الجماعي:

تتنوع طرق العلاج ضمن مجموعات. بعضها يتضمن العلاج السلوكي المعرفي، إذ يتعلم الأفراد استراتيجيات محددة لتعزيز المهارات، وتشمل الأهداف زيادة الوعي بالذات وبناء الثقة بالنفس والتعبير عن المشاعر.
العلاج الأسري:

الهدف الرئيسي في العلاج الأسري غالبًا هو تحسين التواصل، وقد تُثار قضايا لم تناقش سابقًا ضمن الأسرة في الجلسات العلاجية، وأحيانًا قد يحدث تغيير لشخص واحد، مثل التوقف عن تعاطي المخدرات، أو تشجيع شخص ما على زيادة استقلاليته، ما قد يغير ديناميكية الأسرة بأكملها.
العلاج المعرفي:

تركز جلسات العلاج على تعلم كيفية تحمل المشاعر غير المريحة وتغيير الأفكار غير العقلانية. من المرجح أن يخلق هذا العلاج تغييرات سلوكية إيجابية ويسمح للفرد بقبول المزيد من المسؤولية الشخصية عن أفعاله.

قد يمتد العلاج لطفولة الشخص، لأن معظم الأفراد الذين يُبدون سلوكيات التعلق المرضي يبدؤون علاقاتهم متأثرين بالعلاقات التي نشؤوا في ظلها. قد يساعد العلاج الشخص في التواصل مع عواطفه، ومساعدته على تجربة طيف واسع من المشاعر.

---------------------------------
تحرير : حسن السعيد

ترجمة: حسن السعيد

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: باسل حميدي
تقييم اللقاء
مشاركة اللقاء
تعليقات حول الموضوع

مقال المشرف

الوطن هو الأب الثاني لكل إنسان

الوطن هو الأب الثاني لكل إنسان، هو أمه الأخرى التي ربته ورعته وحرسته بالرجاء والأمل، هو السياج الآمن ....

شاركنا الرأي

للتنمر آثار سلبية على صحة الطفل وسلامه النفسي والعاطفي. نسعد بمشاركتنا رأيك حول هذا الموضوع المهم.

استطلاع رأي

رأيك يهمنا: أيهما تفضل الإستشارة المكتوبة أم الهاتفية ؟

المراسلات