مفهوم الإدمان
29

جاء في موقع وزارة الصحة السعودية: "الإدمان هو اضطراب دماغي مزمن يتمثل في اعتماد الشخص الجسدي أو النفسي على مادة أو سلوك معين"، بحيث يصبح غير قادر على التوقف عنه رغم إدراكه لآثاره السلبية، وعند منظمة الصحة العالمية:الإدمان هو "حالة نفسية وجسدية تنتج عن تفاعل الفرد مع مادة معينة، تتميز بالرغبة القهرية في الاستمرار بتعاطيها رغم الأضرار الناتجة عنها." .

وهو يحدث نتيجة تغيرات كيميائية في الدماغ، خصوصًا في مراكز المكافأة (الدوبامين)، حيث يؤدي إلى تدهور الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، ويشمل أنواعًا متعددة: كإدمان المخدرات، والكحول، والتدخين، والألعاب الإلكترونية، وحتى إدمان الإنترنت.

ومن مفهوم تربوي، الإدمان هو " سلوك مكتسب غير سوي ينشأ غالبًا نتيجة: ضعف الرقابة الذاتية والتربوية، وغياب البدائل الإيجابية كالهوايات، والأنشطة الهادفة، ومن تأثير رفقاء السوء وضعف الروابط الأسرية"، ويركّز التربويون على أن علاج الإدمان لا يقتصر على العقاقير، بل يتطلب: التربية الوقائية كغرس القيم منذ الصغر، ومن التربية العلاجية كبرامج تأهيلية نفسية وسلوكية، ومن الدعم الأسري والاجتماعي.

أما الإدمان في الشريعة الإسلامية، فهو يعد من الذنوب والمعاصي خاصة إذا كان متعلقًا بما حرمه الله، مثل المخدرات، والمسكرات، أو كل ما يذهب العقل ويضر بالبدن، قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [المائدة: 90]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" رواه مسلم، فالإسلام يرفض كل ما يضر بالعقل والجسد والمال، ويعتبر الإدمان هدرًا للنفس والوقت والرزق.

وقد تعددت آراء العلماء عن الإدمان، روبرت ويست يرى " أن الإدمان ينبغي فهمه كاضطراب في الدافعية والسلوك؛ فالتعلم، والتعزيز، وضعف التحكم تُحوّل السلوك إلى نمط قهري يتداخل مع آليات اتخاذ القرار في الدماغ"، أما الطبيب سيغموند فرويد فيشير إلى أن الإدمان محاولة للهروب من القلق والمعاناة النفسية، لكنه يفاقمها على المدى الطويل.

أما تربويا، فيشير العالم ابن خلدون في المقدمة، أن الانغماس في الشهوات والملذات يضعف العزائم ويفسد الأخلاق ويؤدي إلى التبعية، ويرى المفكر التربوي مصطفى حجازي في تحليلاته النفسية الاجتماعية أن كثيرًا من أزمات الشباب تعود إلى الهدر التربوي والقيمي الذي يعيشه الفرد في مجتمعات مأزومة؛ حيث تُهمَّش طاقاته، وتُهدر كرامته، ولا يجد المعنى أو الانتماء الحقيقي. وفي هذا السياق يمكن فهم بعض مظاهر الإدمان الخفي على أنها محاولات تعويضية أو "حلول وهمية" للهروب من الضغوط، وملء الفراغ النفسي والقيَمي.

أما فقهيا، فنج أن شيخ الإسلام ابن تيمية يُقرُّ واعتمادًا على الحديث النبوي وقواعد القياس الشرعي بأن "كل مسكرٍ خمر، وكل مسكرٍ حرام"، ويؤيّد قياس ما يذهب العقل على حكم الخمر. (انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، باب: حد المسكر)، ويرى الإمام النووي: أن المسكر قليلُه وكثيرُه حرام، وكذلك كل ما غيّر العقل وأفسده.، أما ابن القيم الجوزية، فقد أشار أن تعاطي ما يضر العقل والبدن من المفترات والمخدرات من كبائر الذنوب التي تجلب غضب الله وتُذهب النعم.

الإدمان الخفي

الإدمان الخفي هو تعلّق داخلي متكرر وسري بعادة أو سلوك يستهلك وقت الشاب وجهده وطاقته الفكرية أو العاطفية، ويؤثر سلبًا على حياته الاجتماعية والدينية والدراسية، لكنه قد يظل غير ظاهر للآخرين بسبب طبيعته الخفية، كاستخدام مادة أو عقار معين مثل العقاقير الغير قانونية أو الأدوية الكيميائية، أو من خلال ممارسة نشاط أو عادة معينة بشكل يومي ومستمر حتى تصبح حياة الشخص متوقفة على هذه العادة ويكون غير قادر على تركها بالرغم من أنها تسبب الكثير من المشاكل والأضرار الجسدية والنفسية والصحية.

وخصائص الإدمان الخفي أنه: يتم في الخفاء أو في صورة مقبولة اجتماعيًا، ويصعب على الأهل أو المربين اكتشافه بسرعة، ويترك آثارًا نفسية وروحية عميقة على المدى الطويل، وقد يكون مقدمة لإدمانات أشد خطورة.

والفرق بينه وبين الإدمان الظاهر: أن الإدمان الظاهر مثل المخدرات والتدخين، يلاحظه الجميع وتظهر آثاره بسرعة، أما الإدمان الخفي فهو أكثر خطورة من ناحية التسلل التدريجي؛ لأنه يتغلغل في السلوك اليومي ويستنزف الطاقات دون مقاومة أو وعي مبكر.

وقد اعتنى الإسلام بصيانة الكليات الخمسة عند الإنسان من: دين، وعقل، وعِرض، ومال، ونفس ، والمدمن بأي شكل من أشكاله دمَّر بإدمانه هذه الأمورَ الخمسة ، فهو خالَف الدين عندما عصى ربه ، ودمَّر العقل عندما ستره بالبلايا التي شَرِبها ، وضيَّع المال الذي وهبه الله إياه فيما لا ينفع بل فيما يَضر ، أما العِرض والنفس: فكم من عِرض ضاع! وكم من نفس أزهقت بسبب إدمان الخمر وغيره! ، قال تعالى عن حفظ هذه الضرورات : {يأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[الممتحنة: 12].

ففي هذه الآية العظيمة ذكرت الضرورات الخمس وهي: حفظ الدين، لقوله تعالى:{لا يشركن بالله} ، وحفظ النفس، لقوله تعالى:{لا يقتلن أولادهن} ، وحفظ النسل، لقوله تعالى:{ولا يزنين} ، وحفظ المال، لقوله تعالى:{لا يسرقن} ، وحفظ العقل، لأنَّ من يقوم بذلك فعقله صحيح راجح، ومن فعل خلافه فعقله فاسد طالح.

قال الغزالي رحمه الله في كتابه ( المستصفى ): "إن مقصود الشرع من الخلق خمسة : أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة".

ويمكن تقسيم الإدمان بشكل أساسي إلى نوعين:

الأول، إدمان مواد وهو النوع الأكثر شيوعاً، ويشمل الاعتماد على مواد كيميائية تغير من حالة المزاج والتفكير، مثل: المخدرات: كالحشيش، والهيروين، والكوكايين، أو شرب الخمر وتعاطيه.

الثاني، الإدمان السلوكي وهو الاعتماد على سلوكيات أو أنشطة معينة، مثل: الإدمان على الإنترنت والألعاب الإلكترونية ، أو إدمان القمار ، أو إدمان التسوق ، أو إدمان العمل.

وقد جاء في تراث الحضارات القديمة آثار كثيرة تدل على معرفة الإنسان للإدمان وخاصة الكحوليات والمواد المخدرة ، فقد وجدت آثار على شكل نقوش على جدران المعابد أو كتابات على أوراق البردي المصرية أو أساطير مروية تناقلتها الأجيال عن استخدام الكحوليات والمواد المخدرة .

والإسلام حرم شرب الخمر لما رآه من أضرار كبيرة على الفرد والمجتمع ، كالصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وتعطيل مصالح الناس ، ومن أجل حماية المجتمع من الأضرار والجرائم التي قد يرتكبها شارب الخمر؛ كالقتل، والسرقة، والاعتداء على الناس ، قال تعالى في سورة المائدة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ، وقال تعالى في نفس السورة : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }.

ونحن هنا نتناول قضية تربوية واجتماعية ذات أهمية بالغة في عصرنا الحاضر، لما يحمله من مخاطر غير مرئية على فئة الشباب بوجه خاص، فبينما يحظى الإدمان الظاهر – كالمخدرات والتدخين – بالاهتمام والمتابعة من الأسرة والمجتمع، يبقى الإدمان الخفي متوارياً خلف أنشطة يومية يظنها الكثير مجرد تسلية أو ممارسة عابرة، مثل الانغماس المفرط في الألعاب الإلكترونية، أو الاستخدام المبالغ فيه لوسائل التواصل الاجتماعي، أو التعلّق النفسي والعاطفي بأشخاص أو سلوكيات معينة.

إن الكتابة في هذا الموضوع تبرز أهميتها في عدة جوانب، فهي أولاً وسيلة للتوعية والوقاية المبكرة؛ إذ تساعد الشباب وأسرهم على إدراك خطورة هذه الممارسات قبل أن تتحول إلى عادات مدمرة، وهي ثانياً تكشف الجانب غير المرئي من المشكلة، وتوضح أن الإدمان لا يقتصر على المواد المخدرة فحسب، بل قد يتسلل إلى السلوكيات اليومية التي تُستهان بها، كما أن تسليط الضوء على هذه القضية يمكّن المربين والآباء من فهم مؤشرات هذا النوع من الإدمان والتعامل معه بوعي.

إلى جانب ذلك، فإن المعالجة العلمية للإدمان الخفي تساهم في كشف آثاره النفسية والروحية العميقة، مثل ضعف الإرادة، العزلة الاجتماعية، وتراجع الصلة بالله تعالى، كما تسهم في توجيه المؤسسات التربوية والدعوية نحو وضع برامج وأنشطة بديلة تدعم الشباب وتحميهم من الانجراف نحو هذه الممارسات.

من هنا، فإن تناول قضية الإدمان الخفي في البحوث والمؤلفات ليس مجرد معالجة لموضوع جديد، بل هو خطوة أساسية في حماية جيل المستقبل، وصيانة وعيه، وتعزيز قدرته على مواجهة تحديات العصر بوعي وإرادة راسخة.

أخيرا، الإدمان مثل اللعبة الجديدة، في البداية تلعب بها نصف ساعة فقط، لكن بعد أيام، تبدأ تقضي ساعات طويلة، تنسى بعدها واجباتك، تأجل نومك، تتوتر إذا لم تلعب، هل هذا مجرد حب للعبة؟ أم أن هناك شيء أعمق يحدث؟، هذا بالضبط ما يسمى بـالإدمان.
مع التنبيه، بأنه ليس كل من يستخدم الإنترنت أو يلعب ألعابًا يعتبر مدمنًا، لكن الإدمان يبدأ عندما يصبح الشيء جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه، ويؤثر سلبًا على جوانب الحياة المختلفة.

-----------------------------------------------
بقلم أ. عدنان بن سلمان الدريويش
تقييم اللقاء
مشاركة اللقاء
تعليقات حول الموضوع

مقال المشرف

كبار السن

الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق، ولم يجعل له عوجًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة ....

شاركنا الرأي

للتنمر آثار سلبية على صحة الطفل وسلامه النفسي والعاطفي. نسعد بمشاركتنا رأيك حول هذا الموضوع المهم.

استطلاع رأي

هل تؤيد تحويل منصة المستشار إلى تطبيق على الجوال؟

المراسلات