عندما يربي الأب
92
في ظل هذه التغيرات الفكرية والاجتماعية وغيرها، يبقى هاجس المُربين يدور حول كيفية المحافظة على سلامة وحُسن سلوك الأفراد لتكوين مجتمعات سليمة، فالتربية في وقتنا الحاضر تحولت إلى إشراف فقط من قبل المربين، مما أدى إلى زيادة عدد ومساحات الاستشارات التربوية لتُعين الآباء والأمهات على القيام بواجباتهم بالشكل الصحيح.

الأسرة هي نواة الخلية في كل مجتمع والمتمثلة بصلاح أو فساد عطاء أفرادها. والأسرة -عادةً- تتكون من الزوجين والأبناء، وظروف وأحوال أفرادها تختلف على حسب معطيات البيئة، ودور عطاء الأم والأب في الأسرة الواحدة متفاوت بسبب الطبيعة البيولوجية لكل منهما، وهذا إلى حد ما طبيعي، ولربما جاءت قصص نجاح بعض العلماء والمفكرين وغيرهم نتيجة لتربية مضاعفة من قبل الأم دون الأب، ومن هذه القصص سمعنا وعشنا إنجازهن بكل فخر واعتزاز.
ولكن، هل هناك أب قادر على مضاعفة دوره التربوي إثر غياب الأم؟ وما هي الميزات التي تتواجد في هذا الأب، ليكون قادراً على خوض التجربة التربوية بمفرده؟ وماهو مستوى نضج الثمار الأبوية؟ والكثير من الأسئلة التي تدور حول هذا النوع من التربية، خاصة في مجتمع محافظ قائم على فكر تقليدي للأسرة مبني على الفطرة.
نعم، يستطيع بعض الآباء مضاعفة دوره التربوي إثر غياب الأم إذا كان الأب يدرك تماما معنى المسؤولية، لأن القدرة على تحمل المسؤولية التربوية تشترط الآتي: الوعي بجميع أشكاله ومجالاته، قوة الشخصية والمتمثلة في القدرة على سلوك الحزم والمرونة في الانضباط، والشدة واللطف في التعامل، والأهم هو كيفية غرس البذور في الأبناء والإشراف عليها، كل هذا وأكثر يكون تحت مظلة تقوى الله تعالى.
أما بالنسبة للميزات التي من المفترض أن تتواجد في الأب ليكون قادراً على خوض التجربة التربوية، تتمثل في الآتي: قوة سمات الشخصية والتي بدورها تعزز قوة الحضور والتواجد الأبوي، الوعي باختلاف وتفاوت الأفكار والسلوك ليتمكن من فهم طبيعة احتياجات الأبناء وكيفية توفيرها، الاحتواء الفكري والعاطفي وتعزيزه بين الأبناء لبناء قوة الأخوة وزرع التراحم فيما بينهم، فالحنان الأبوي يعتبر نهرا جاريا يغذي مشاعر الأبناء ويلبي احتياجاتهم ويساعد في تحقيق ذواتهم لينهضوا بأنفسهم مُستقلين وقادرين على العطاء.
وأخيراً، التحدي لمواجهة الذات والمجتمع من خلال تحقيق الإنجازات الخاصة والعامة، لأن القوة في مواجهة التحديات للوصول الى الأهداف بنجاح، تنعكس بإيجابية في نفوس الأبناء، ومن خلال ما ذكر أعلاه، نستطيع أن نتوقع -بإذن الله- لذة الثمار وحلاوتها لأن حارثها تمكن من الإشراف عليها ومتابعتها بعد التوكل على الله. تتفاوت ثمار التربية الناتجة من أحد الأبوين في غياب الطرف الآخر، وما أجمل أن تكون الفتاة ثمرة لتربية أبيها، فإنها تحظى بقدوة تستمد طاقتها منه وتزيدها جمالا وقوة لتكمل مسيرة نجاحه بتوفيق من الله.

--------------------------------
بقلم د. نورة الهديب
تقييم اللقاء
مشاركة اللقاء
تعليقات حول الموضوع

مقال المشرف

«الطلاق».. والأبعاد الخفية

«ولولا أنَّ الحاجة داعيةٌ إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلَّت عليه الآثار والأصول، ولكنّ ....

شاركنا الرأي

للتنمر آثار سلبية على صحة الطفل وسلامه النفسي والعاطفي. نسعد بمشاركتنا رأيك حول هذا الموضوع المهم.

استطلاع رأي

رأيك يهمنا: أيهما تفضل الإستشارة المكتوبة أم الهاتفية ؟

المراسلات