الرد على الإستشارة:
أختي الفاضلة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
مرحبا في موقع المستشار , أشكرك على تواصلك معنا , وأسأل الله لنا و لك التوفيق والسداد .
أختي الفاضلة :لقد قرأت رسالتك وتأملت مشكلتك , وعشت حقيقة في تفاصيلها كما سردتها , وأكاد أدرك الشعور الذي تمرين فيه , والصعوبات التي تعانين منها , ولكن مهما يكن من أمر فإن لكل مشكلة حلا ولكل سؤال جواب , وأنا واثق أنك ستحصلين بحول الله على أفضل اختيار , وتوفقين للزوج الذي يهيئ لك حياة زوجية سعيدة بإذن الله .
لكن مع هذا دعيني أقف معك حول بعض التفاصيل التي أرى أنها مهمة وتعطي رؤية أفضل نحو الحلول الممكنة لهذه المشكلة .
أنت الآن كما ورد في سؤالك تعيشين وحيدة بعيدة عن أهلك وفي ظروف عمل ليست سهلة ولا تجدين أحدا بقربك يقف معك ويلبي احتياجاتك مهما كانت . وأن الظروف اشتدت في وقت من الأوقات حتى صارت أزمة عاصفة وقف معك فيها ذلك الرجل وقفة مساندة ومساعدة ثم تطور الأمر إلى علاقة حب ورغبة في الزواج وإصرار عليه من كليكما مع رفض من أهلك بشكل قاطع .
وحتى أضع ملاحظاتي بشكل سريع ومختصر فإني أقول :
- إنه لا يجادل أحد ولا يشك في استحقاقك واحتياجك لظروف أفضل تشعرين فيها بالأمان وبالتعاطف وتعيشين حياة اجتماعية حافلة مليئة بالنشاط والفرح والعلاقات الحميمية ، قريبة ممن يستطيع أن يقف معك عند الحاجة ويكون عونا لك في عملك ويكسر حدة الوحدة التي هي مؤلمة ولاشك . ونحن نعرف مهما يكن أن المرأة هي أقل احتمالا للغربة والوحدة من الرجل وبالتالي أكثر احتياجا لمن يقف معها ويساعدها في مثل تلك الظروف .
- أنه لا يشك أحد في أن من أبسط حقوقك اختيار شريك الحياة وزوج المستقبل وبناء العلاقة الزوجية ابتداء على التوافق والرغبة المشتركة .
- وربما كان وقوف الرجل معك في أزمتك و إظهاره لمظاهر الشهامة والكرامة والرجولة هو مؤشر على ما لدى ذلك الرجل من مقومات الزوج الصالح الذي ترغب فيه أية امرأة .
- كما أنك في وظيفة مرموقة وعلى مستوى ثقافي وعلمي وفي سن مناسبة تستطيعين من خلالها أن تصلي إلى قرار حكيم بعون الله .
ولكن في المقابل دعيني أصارحك بان نقاطا أخرى وردت في سؤالك أثارت حيرتي وتحفظت عليها ولم أجد أنها مقبولة ومن ذلك :
- فرق السن الكبير بينك وبين الرجل ما يزيد على عشرين عاما .
- ارتباط الرجل بأولاد وزوجة مريضة محتاجة .
- إصرار الرجل عليك بما يريد ورفضه حتى أن تعيدي التفكير وأن تمضي معه دون تردد .
ومن جهة ثالثة فأنا أحب ألفت نظرك إلى نقاط ربما تكون غابت عنك في خضم الأحداث ومنها :
- أن حكمك على الرجل جاء على خلفية أحداث معينة وظروف خاصة و هذا ربما أثر في عمق نظرتك للموضوع وغيب بعض الجوانب الهامة من القضية . تلك الأحداث جعلتك تحكمين على الرجل بأنه مناسب جدا وانك لن تجدي أحدا أفضل منه . وأنا واثق من أن هناك جوانب أخرى في حياة الرجل لا زالت غائبة عنك وربما لا تدرين شيئا عنها . و هذا لا يعني أنني أتهم الرجل بالسوء ولكني ألفت النظر إلى جوانب أخرى في الحياة يجب النظر فيها إلى مدى توافق الرجل والمرأة وتناغمهما لكي تمضي الحياة الزوجية بنجاح .
- أن جزءا من قرارك في الاقتران بالرجل ورغبتك في الزواج منه بني على عطفك عليه ومراعاتك لاحتياجاته وظروفه وليس لاحتياجاتك أنت فقط .
- أن غيابك عن أهلك إلى حد ما وبعدك عنهم أثر على علاقتك معهم وتواصلك معهم عاطفيا واجتماعيا فحدثت جفوة وجفاء بينك وبينهم و هذا أثر فيما بعد على قبولك لرأيهم في الرجل ورفضهم لزواجك منه . بمعنى أن رؤيتك لموقف أهلك ربما تكون رؤية غير محايدة ومتأثرة بسبب تقصيرهم في حقك فيما سبق فكأنك تقولين لنفسك بأن أهلك ليس لهم حق في التحكم في اختيارك طالما أنهم لم يساعدوك وقت الأزمة .
- أن تفكيركما أنت وهو بإتمام الزواج رغما عن أهلك ونيته البدء باتخاذ الإجراءات في دللك فعليا والهرب معك هو شطط في التفكير وخطأ شنيع ومخالفة للقواعد الشرعية التي تشترط موافقة الولي حتى يكون الزواج صحيحا شرعا كما أن في ذلك مصادمة للقواعد والأعراف الاجتماعية وتنتج عنه في الغالب مشكلات كبيرة متواصلة ربما تلازم حياتكما الزوجية طويلا وتؤثر على علاقتكما أنتما وعلى أولادكما فيما بعد . وأنا هنا أؤكد عليك أن لا تفعلي وأن تحذري من مجرد التفكير في ذلك .
أختي الفاضلة :
إنك تعيشين حيرة وتخوفا وتعتمل في نفسك مشاعر متضاربة وتودين أن تتخلصي من كل ذلك باتخاذ قرار ينهي معاناتك مهما تكن النتيجة . ولكني أحذرك من التسرع فتدفعي لخلاصك من هذه الحيرة ثمنا باهظا ربما تندمين عليه فيما بعد .
إن كثيرا من الأمور التي ترينها الآن واضحة وقطعية ولا شك عندك فيها هي في الحقيقة ليست كذلك وربما تكون غير صحيحة وكما تقول الحكمة : أننا في بعض الأحيان لا نرى الأمور على حقيقتها بل نراها على حقيقتنا نحن !
إنني أرى والله أعلم أن مشروع زواجك من هذا الرجل بهده الكيفية وبهده الصفة ووفق هذه الظروف هو مشروع يحمل بذور فشله في ثناياه وتكتنفه صعوبات ومشكلات كثيرة وطريقه ملغمة خطرة . وأنت مع ذلك كله لست مضطرة إلى القبول به والمضي فيه . وأما مشاعرك نحو الرجل فقد يكون بعضها صحيحا ولكن بعضا منها قد يكون متضخما وانعكاسا لموقفه النبيل معك وبالتالي هي ليست مشاعر حقيقة أصيلة .
وجزء مهم من معاناتك وله أثر عظيم في كل ما تعيشين فيه من مشكلات هو ابتعادك عن أهلك وحياتك وحيدة فريدة بعيدة عنهم ..فلم كل هذه المعاناة ؟ أليس بقاءك في الغربة دون محرم فيه مخاطرة بحياتك وربما مخالفة شرعية و أمر يعرضك للفتن من كل جانب ؟
ألم تفكري في البحث عن وظيفة بديلة تضمك مع أهلك وتبقيك قريبة منهم وتقلل المخاطر المحيطة بك ؟
إن الجفوة والجفاء بينك وبين أهلك هو أمر غير مقبول بتاتا ويجب أن تسعي للتخلص منها والعودة إلى أهلك واسترجاع علاقاتك معهم عاطفيا واجتماعيا وهذا أمر سيؤدي فيما بعد إن شاء الله إلى ظروف أفضل وحياة أكثر استقرار تستطيعين معها أن تحكمي على ما يتقدم للزواج منك حكما منطقيا واضحا يشترك فيه معك أهلك وتتفقون معا على الزوج المناسب بحول الله ومشيئته .
وفقنا الله وإياك لكل خير .