الرد على الإستشارة:
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم , علّمه البيان , أنشأه من ضعف وينتهي أمره إلى الضعف , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قدّر للإنسان حياته وكتب نصيبه وكفاحه وهو العليم الخبير . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أنموذج الكادحين وسيّد المفلحين . وبعد ،،،
الأخت الفاضلة الباحثة عن الحب :
أود في البداية أن أشكرك على بحثك عن هذه المشاعر الجميلة التي نحتاج إليها جميعاً ، ومن منا لا يبحث عن الحب ، وعن ما يطبطب عليه ، إنه من أرقى المشاعر الإنسانية . فالحب أمل وإيجابية ، بل دليل علي الصحة النفسية ، ولكن ما هي هذه المشاعر النبيلة ؟ وهل الجميع ينظرون إليها من منظور واحد ؟ أم هل البعض يستغل مسمياته لارتكاب بعض الآثام ؟ فالحب يحتاج إلى المزيد من التوضيح حتى نتفهمه .
* والحب يوجد حولنا في كل مكان ، بل إن القرآن الكريم ذكر كلمة حب العديد من المرات تصل إلى (76) مرة ، فقال تعالى { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ }البقرة : 165 ، { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } البقرة : 195 ، { وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة : 216 ، { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } البقرة222 ، { وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } آل عمران :140، { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } آل عمران : 146، { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران : 159 ، { إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } النساء : 107 ، { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } المائدة : 42
000000
* عليك أن تعلمي أختي الفاضلة : أن الكثير من الأشخاص يعيشون في صحراء جرداء من هذه العاطفة ، وتجعلهم في حالة عطش ؛ فيرون السراب ماءً ، وبالتالي وجدوا الخداع والضياع .. إن الحصول على الحب منذ البداية ، ومن مصادره الأولية والطبيعية مثل الأهل والأصدقاء ..... يمنح الإنسان مناعة من أن تخدعه أي مشاعر زائفة غير حقيقية ؛ تستغل حرمانه وشوقه الفطري .
* في بعض الأحيان يحاول الإنسان تبرير ما هو فيه من آلام وعدم نجاح في حياته إلى أشياء هلامية ، حتى يحدث التوازن النفسي لديه ، مثل موضوع السحر رغم ذكره في القرآن الشريف (41) مرة ، قال تعالى : { فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } المدثر : 24 ، لكن في اعتقادي أن الحياة التي نحياها والطريقة التي نعيش بها الحياة من نجاح أو فشل ، من سعادة أو ألم هي عبارة عن انعكاس لسلوكنا وطريقة تفكيرنا ، وفي كيفية تناولنا للحياة وتعاملنا معها ، لذلك فبإمكاننا أن نتعلم بعض الأساليب التي من شأنها أن تغير الطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا ، بل مع الآخرين ، وبالتالي القدرة على مواجه الأزمات أو الفشل .
* والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تجد هذا الحب ؟ والإجابة يمكن أن تستقيها من السطور التالية :
*التفاؤل يعلمنا الحب ، وهو أيضا نوع من السعادة لأرواحنا ونفوسنا وأسهل طريق للنجاح ، والتفاؤل سنة نبوية ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن وينهى عن التشاؤم والتطير ، حيث قال " تفاءلوا بالخير تجدوه " ، ويقول الفيلسوف الأميركي ايمرسون " إن الحب عصفور صغير يقبع في عش بعيد مرتفع ومحاط بالأسوار وكلنا يريد هذا العصفور" ، لكن كيف يمكننا الحصول على هذا العصفور ؟ ، أما الفيلسوف برتراند راسل فله عبارة تبعث الأمل ، فيقول " منتهى التفاؤل يولد من أقاسي اليأس " وهناك حكمة تقول " إن لكل إنسان شمسين واحدة في السماء وواحدة بداخله ، وأنه حين تغيب شمس السماء ويظلم الكون فلا يضيء للإنسان سوى شمسه الداخلية .
مما تقدم عليك أختي الفاضلة أن تسعدي بحياتك ونعم الخالق من حولك ، وبصفاتك الجميلة التي تتحلين بها - أنا امرأة أحب الناس مخلصة خدومة صاحبة واجب على قدر من الجمال عاطفية جدا – ستجدين حتماً الحب الحقيقي من حولك .
* وعليك أختي الفاضلة بعدم الاستسلام إذا لم توفقي في المرة الأولى والثانية حتى لا تتأثر ثقتك بنفسك ، فقال الشاعر
إذا هبت رياحك فاغتنمها فعقبى كل عاصفة سكــون
ولا تغفـل تداركها سريعًا فما تدري السكون متى يكون
فاجعل العمل دافعًا مباشرًا يؤدي إلى استعادة الثقة بالنفس ، ويشعرك بالحب الحقيقي في الحياة ، وهذا واقع حي في حياة كثير من المشاهير : فهذا ثيودر روزفلت رئيس الولايات المتحدة السابق اشتهر بأنه من أشهر الرماة وأشهر المغامرين في عالم الصيد في عصره ، كل هذا بعين واحدة , كذلك أبو العلاء المعري أصبح من أبرع الأدباء والشعراء مع أنه كان أعمى , وابن خلدون الذي فقد أسرته ، فما أقعده هذا أن يكتب أعظم مؤلف في علم الاجتماع . فإذا كان هؤلاء من أصحاب هم الدنيا قد تحدوا ظروفهم ، واجتهدوا للعمل الدائب المباشر من أجل تحقيق النجاح ، فما بالكِ وأنت مسلمة صاحبة رسالة وتحملين هم الآخرة ، أفلا تواصلين الليل بالنهار في عمل دائب حثيث من أجل تحقيق النجاح والشعور بالحب في الحياة لتستعيدين ثقتك في نفسك لتخدمي بها أمتك ودينك . وتبتعدي عن القلق والتوتر ، فقد سئل أحد القادة وكانت تبدو عليه علامات السعادة والراحة والحيوية والرضا لماذا لا تقلق ؟ فقال: إنني مشغول فلا وقت عندي للقلق . وأيضاً استثمري كل لحظة في حياتك ، فقد قال الحسن البصري رحمه الله : " إنما أنت أيام مجموعة فكلما ذهب يومك ، ذهب بعضك " ، وضعًي نصب عينيك قول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوانِ
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني
استخدمي أسلوب الإحلال في حياتك : ويقصد بالإحلال أن تستبدلي ضعفك في قدرة ما بقدرة أخرى داخلك ، وأكبر مثال على ذلك الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود , هذا الرجل الفذ فقد كان هزيل الجسم ضعيف الوزن قصير القامة ؟ إذا مشى وهبت الريح وقع على الأرض ، وكان له ساقان ناحلتان دقيقتان صعد بهما على شجرة يجتني أراكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضحك الصحابة من دقة ساقيه ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : " أتضحكون من ساقي ابن مسعود ، لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد " ، إنه أستاذ الإحلال فقد أحل بدل ذلك الضعف كله عظمة وعلمًا وفقهاً ، وقد أنشأ عبد الله بن مسعود في الكوفة مدرسة فقهية من أعظم مدارس الاستنباط في الدنيا , ومن أشهر تلاميذها الإمام أبو حنيفة رحمه الله , هذا هو الضعيف البنية , الدقيق الساقين , الفقير المال , القليل الجاه , راعي الغنم الذي أحل بدل ذلك كله عظمة وقوة ومجدا وعلماً . فلتعلمي أننا جميعاً لدينا نواقص وضعف في قدرات ما ، لكن ليس جميعنا نتمتع بخاصية الإحلال ، فكوني واحدة ممن تتقن هذه الخاصية .
* أيضاً أين ما يسمى بالتربية العاطفية في مجتمعاتنا ؟ ، فلا يوجد ثمة تعليم يتم لكيفية منح العاطفة وكيف تنمو ؟ وكيف يعرف الإنسان الحقيقي منها من الزائف ؟ ومتى يمنح الإنسان عاطفته ؟ وما الفرق بين الحب والإعجاب والاهتمام والتعود ؟ وهل الانجذاب الفطري بين الفتى والفتاة هو الحب ؟ ، والكثير من الشباب يدخلون للبنات من هذا المدخل وينجحون نجاحاً باهراً مؤلمًا .
وأخيراً توكلي على الله {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} آل عمران:122.. ولا تغفلي جانب الدعاء فهو - خير ما يوصى به مع الاستخارة ، والإلحاح فيه من أعظم العبادات ، لذلك ورد عنه - صلى الله عليه وسلم أنه قال : الدعاء هو العبادة . واعذريني أختي الباحثة عن الحب على الإطالة ، فقد حاولت من جانبي أن أفيدك في مشكلتك ، وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك ( ربنا يوفقك ) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،