الرد على الإستشارة:
بسم الله الرحمن الرحيم .
السلام عليكم ورحمة الله :
تشعرين بالعجز عن إيجاد نفسك , وتحديد أهدافك , ورؤية معالم مستقبلك , وعن التفكير, وتشعرين أنك لم تعودي تعرفين ماذا تريدين من الحياة ؟ . تريدين تحقيق ما يحققه الآخرون , وتثبتين وجودك , وأن لك قيمة في هذه الحياة.
كنت في السابق ترين الحياة مشحونة بالأمل , وترين المستقبل مفتوحاً أمامك، ولكن تغيرت أشياء كثيرة في داخلك لا تعرفين ما هي بالضبط , فأصبحت حياتك وكأنها متوقفة.
وعندما تحاولين البحث عن السبب تجدين أنه يكمن في معاملة أمك لك وتحقيرها وسخريتها من اقل عمل تقومين به , مما جعلك تشعرين بأن أي عمل تنجزينه لا قيمة له، مما قاد في النهاية إلى أنك فقدت الثقة بنفسك.
ولا تجدين من تبوحين له بأفكارك ومعاناتك ؛ إذ إنك تعتقدين أنه لا يمكن لأي شخص أن يفهم ما تعانين منه و يحتوي مشكلتك، ناهيك عن اعتقادك بأنك تجدين صعوبة في التعبير عما يدور في داخلك، مما يسبب لك زيادة في الضغط والإرهاق، بالإضافة إلى خوفك من أن ينزعج الشخص الذي تبوحين له منك ؛ فتفضلين كتمان الأمر وتركه في داخلك يؤرقك ويتعبك أنت أفضل من أن يتعب ويؤرق الآخر , مما يمكن أن يسبب تخليه عنك وابتعاده، وهو أمر يزيد من تعبك وضيقك. فتفضلين الصمت وتحمل الضيق وعبء الأفكار التي ترهقك وتؤرقك وتجعلك كالمشلولة، مشلولة الإرادة، والتفكير، مستسلمة للعجز، تدورين في حلقة مفرغة من التساؤلات التي لا تنتهي، والتي لا تجدين لها أجوبة مقنعة.
مررت في أثناء دراستك بخبرة أثرت في حياتك، وغيرت من تفكيرك. فقد تخلى عنك من اعتقدت أنك سترتبطين به، وذهب من دون أن تعرفي حتى الآن سبب غيابه عنك ورحيله. وشعرت بأنه قد تم التخلي عنك من شخص وثقت به ثقة كبيرة وبنيت عليه أحلاماً كبيرة , وانسحبت وأوقفت الزمن عند هذه اللحظة. وكان كل شيء يسير ويتقدم من حولك إلا أنت , وما زلت تعانين حتى الآن الألم وكأنه يحدث الآن كما تقولين,وأصبحت من بعد هذه القصة عصبية وحزينة , وأصبحت مخاوف الهجر والتخلي تلاحقك ولم تعودي قادرة على التفكير بشيء , وفقدت الثقة بكل شيء، حتى بنفسك.
والسؤال المطروح الآن كيف يمكن أن يتغير كل شيء ؟ كيف أعود إلى ما كنت عليه في الماضي ؟ وكيف أواصل حياتي ناظرة بالأمل والتفاؤل للمستقبل ؟ باختصار كيف أخرج من هذه الدائرة المغلقة التي انزلقت فيها , وقادتني إلى مثل هذه النتيجة ؟ .
وسؤالي الذي أرغب أن أطرحه عليك هو ما الذي فعلته طوال السنين السبع الماضية؟ ألم يحدث خلال هذه الفترة أي حدث ما في حياتك شعرت بالفرح فيه؟ أرجو منك التفكير في هذا الأمر وإعداد قائمة بالأحداث المحزنة والتعيسة التي مررت بها , وقائمة أخرى في مقابلها بالأحداث الجميلة والمفرحة التي مررت بها،وقومي بتسجيل أفكارك حول كل حدث من هذه الأحداث , والمشاعر التي شعرت بها (بمقدار ما تتذكرين) أمام كل حدث من الأحداث. ثم قارني بين الأحداث المحزنة أو المؤلمة وبين الأحداث المفرحة أو المريحة أو التي تجعلك تخرجين قليلاً من حالتك التي مررت بها.
الخطوة الثانية هي السؤال كيف يمكن أن أزيد من عدد هذه الأحداث المفرحة؟ ما الذي علي فعله؟ (مثال: اتخاذ القرار بأن أفعل كل يوم عمل يؤدي إلى نتيجة مفرحة أو مريحة لي , وأن أزيد هذا العدد بالتدريج.....)(مثال: الاتصال بالأصدقاء، الخروج في نزهة أو زيارة قصيرة، عمل الحلوى، تقديم بعض الطعام للجيران، دعوة أصدقاء لتناول الطعام في البيت أو في الخارج، قراءة كتاب ما، تغيير ترتيب الغرفة، تغيير عادات النوم والاستيقاظ إذا كان ذلك ممكناً أو عمل دورات تدريبية معينة ....الخ أو أي شيء يخطر على البال مما يغير إيقاع وروتين الحياة التي تعيشينها) .
قومي بتسجيل قائمة بأمور ترغبين تحقيقها , وتكون ممكنة التحقيق فعلاً (أي ينبغي ألا تكون أهدافاً صعبة المنال)، وضعي من أجل ذلك قائمة أسبوعية وشهرية....و تابعي تطبيق ذلك , و قومي بعملية جرد في نهاية الأسبوع والشهر عما تحقق وعما لم يتحقق، وسجلي لماذا لم يتحقق أمر ما ؟ وما العوامل التي ساعدت في تحقيق أمر ما ؟ واستغلي هذه العوامل الإيجابية المساعدة في تحقيق بقية الأهداف.
عليك أن تطرحي على نفسك السؤال هل يستحق هذا الشاب الذي ارتبطت به ولم يف لك بوعده أن توقفي حياتك وتجمديها طوال هذه السنين؟ سجلي كذلك على دفترك : لماذا كان يستحق أن تجمدي حياتك من أجله طوال هذه السنين؟. ستفاجئك النتيجة التي ستصلين إليها وستكون مواجهة هذه الحقيقة المرة مؤلمة بالنسبة لك , وقد تجعلك تحزنين ثانية وتشعرين بالعجز واليأس، إلا أن مواجهة هذه الحقيقة المرة ضرورية من أجل إعادة ترتيب الحياة من جديد. وبمقدار ما ستكون حقيقة هذا الاستنتاج مرة ومؤلمة بمقدار ما ستمنحك القوة والطاقة نحو التغيير و إعادة التفكير من جديد.
أعيدي التفكير بعلاقاتك مع الأصدقاء. وقومي بعملية تصنيف لهم حسب درجة التقارب بينك وبينهم. واختاري من ترتاحين لها بدرجة كبيرة كي تشاركيها همومك ومشاعرك. فإذا كانت صديقة حقيقية فسوف تنصت لك . وإذا كنت تخافين من أن تتخلى عنك فعليك طرح السؤال التالي على نفسك: ما هي الدوافع التي ستدفع صديقتي للابتعاد عني وعدم الإنصات إلي؟ هل السبب أني سأكون ثقيلة عليها؟ ما هو الدليل الملموس الذي يثبت أني ثقيلة بالفعل؟ ما هي التصرفات الثقيلة بالفعل التي أقوم بها؟ هل قال لي أحدهم هذا؟ أم أنها مجرد أفكار تنبع من داخلي لا دليل عليها. وهل كل تصرفاتي مع أصدقائي ستكون عبئاً عليهم بالفعل؟ كيف يمكنني أن أشرح ما أعاني منه لصديقتي دون أن أثقل عليها؟ ما الذي أتوقعه من صديقاتي إذا ما شرحت لهن أو لإحداهن همومي ومشاعري؟ هل يلزمهن هذا الأمر بأي أمر يثقل عليهن؟.
مشاعرنا ناجمة عن أفكارنا، وما نعتقد حول أنفسنا ينعكس على مشاعرنا , إلا أننا غالباً ما لا ندرك هذه العلاقة بصورة واضحة، وإنما ندرك نتائجها التي تتمثل في مشاعر العجز والاستسلام. وهذا ما يحصل معك بالضبط. وعندما تحاولين رصد ما تفكرين به واستنتاجاتك (غير المنطقية) عما تفكرين به فستجدين أن وضعك الراهن نتاج أفكارك أنت. إن عملية الرصد والتعديل عملية ليست سهلة , إلا أنها ممكنة وتحتاج إلى الصبر والوقت.
لقد اعتدت على هذه الأفكار السلبية (أفكار العجز والفشل وفقدان الثقة بالنفس، وعدم الثقة بالآخرين) طوال فترة من الزمن إلى درجة أنك لم تعودي تدركين أنها أصبحت أفكاراً آلية تواجهين فيها كل موقف في حياتك، مما يمنعك عن رؤية النقاط الإيجابية في أبسط المواقف، وبدلاً من هذا لا ترين إلا السلبيات، فتهابين وتخافين وبعد ذلك تلومي نفسك لماذا حصل ذلك ؟ ويأتي الرد جاهزاً من داخلك ليقول لك بسبب التربية (إنها أمي التي ربتني على عدم الثقة بنفسي) أو بسبب الصدمة التي تلقيتها من الشاب. فتشعرين بالعجز والاستسلام لأنك تقنعين نفسك بأن السبب في هذه الخبرات المؤلمة .
ومن يتعرض لمثل هذه الخبرات المؤلمة سوف يشعر بالتأكيد بهذه المشاعر التي تشعرين بها...وهكذا تغرقين إلى ما لانهاية في دائرة مغلقة.
المشكلة في هذه الاستنتاجات أنها تقدم لنا حلولاً جاهزة تغطي المشكلة ولكنها لا تحلها، وهي في كل الأحوال ليست الحلول المفيدة. وسوف تشعرين بالفرق عندما تبدئين بالتشكيك في القناعات المطلقة والأفكار المسبقة والجاهزة لديك التي تتعاملين فيها مع المواقف الحياتية أو التي تعاملت فيها مع المواقف السابقة. وهذا ما يمثل البداية نحو التغيير. مع خالص الأمنيات بالتوفيق.