الرد على الإستشارة:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين ، أشهد أن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين وقيوم السماوات والأرضين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على هديه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد :
اللهم يا من بيدك خزائن السموات والأرض ، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعك تقلبها كيف تشاء ؛ أسعد قلب أختنا " منى " ، وألِّف بين قلبها وقلب زوجها على الخير ، وارزقهما الذرية الصالحة ، ولا تجعل لشياطين الإنس والجن عليهما سبيلاً . . اللهم آمين .
أختنا الفاضلة :
أولاً : مما لا شك فيه أن صمت الزوج حجر عثرة، وميدان خِصب لإثارة مشاعر اليأس والمعاناة لدى الزوجة، وهو بالتالي سبب رئيس لحدوث أزمات في العلاقة الزوجية ، إلا أنه لا يلزم من صمت زوجك أن يكون بسبب فتور أو جفاف عاطفي ؛ ذلك أن الصمت في حالتكم قد يكون بسبب التباين في المستوى التعليمي بينكما ، أو اختلال القوامة في المنزل حيث الأصل هو أن يكون الزوج هو من يتولى تأمين الأمور المعيشية وليست الزوجة ، أو قد يكون أمراً طبعياً لكون الزوج انطوائياً ، أو لمواقف سابقة جعلته يؤثر الصمت راحة لنفسه أو عقوبة لزوجته لقيامها بأمر ما ، أو لعدم مقدرته على الإنجاب ونحو ذلك .
ومن هنا فمن الأهمية أن تُدركي سبب صمت زوجك والعمل على علاجه بأريحية تامة وتفانٍ كبير، وألا تُهمل هذه الظاهرة فتنخر في بناء أسرتكم المطمئن بإذن الله . .
ومن أبرز ما أوصيك به هنا :
1-تفهم طبيعة الرجال :
فالرجل عند تعرضه لبعض المشكلات أو الضغوط النفسية أو الهموم الحياتية أو الأزمات المادية ؛ فإنه غالباً يلجأ إلى الصمت واعتزال الحياة الاجتماعية مكتفياً بمنح نفسه هامشاً جيداً من الراحة والهدوء والتأمل لبعض الوقت ، وبعدها يعود إلى سابق عهده كأن أمراً لم يكن . . ولذا امنحيه هذه الفرصة بأريحية تامة ، ودون تضجر .
2- إغلاق الملفات المفتوحة:
تأملي الملفات المفتوحة التي لم تُغلق في حياتكم الأسرية ، وانظري لتوجهات زوجك وما يراه بشأنها ، اعملي على إغلاقها بما يُرضيه ، واحرصي على ألا تتركي ملفاً يُفتح دون إغلاق بتوافق ونفس راضية بينكما ؛ فإنها إن لم تُقفل تبقى تحتل مكانة بارزة في ذاكرة الزوج ، تَظهر بين الفينة والأخرى مسببة له التوتر والضيق وعدم الرغبة في الحديث .
3- الخطوط المتوازية:
اعملي على أن تتوحد الأفكار والتوجهات والهموم بينكما ، ولتكن في خطوط متقاطعة لا متوازية لا تلتقي مع بعضها ، فإن الزوج إذا لم يتواصل مع زوجته آثر البحث عمن يتلاقح معه في الأفكار ، مؤثراً الصمت إن كان مع زوجته لعدم وجود موضوعات مشتركة بينهما .
4- الروتين المقيت :
مع مجريات الحياة ومشاغلها تحتاج النفس إلى التجديد الذي يبعث في النفس البهجة ويدفعها لمزيد من الإنتاجية والعطاء ، ولا شك أن من أبرز ميادين التجديد التي يحتاجها الزوج ؛ التجديد في لباس الزوجة وميادين حديثها وقائمة أطعمتها , والتغيير في مواقع أثاث المنزل , وتَلَمُّسْ المواقف والأحداث السعيدة لتحويلها إلى مصدر سعادة وسرور في الحياة الأسرية . . فاحرصي على التجديد في حياتكما دائماً .
5- الظلال الوارفة :
اعملي على أن يكون لك جلسة حميمة بينك وبين زوجك إذا رأيته هانئ البال مسرور الخاطر ، بُثي إليه أحاديث الحُب والهيام ، وأشبعيه من معاني الشوق والانسجام ، واجعليه يغوص في أعماق وجدانك ليرى الدفء بين يديك . . واحذري هنا أن يكون لموضوعات الحياة وصعوبتها أو المشكلات العالقة بينكما أي طريق للقائكما هذا .
6-اللحظات الماتعة :
هناك أعمال يسيرة في حياتنا ، ولكنها تُعطي انطباعا كبيرا بما يكنه للطرف الآخر من حبٍ وود ، ومن ذلك :
أ?.استقباله عند عودته من الخارج بابتسامة وقُبلة وترحاب مع حمل الأمتعة عنه إن وُجدت .
ب?.ملاقاته عند عودته من الخارج بكأس ماء بارد إن كان الجو حاراً .
ت?.مشايعته عند خروجه إلى الباب الخارجي مع الدعاء له وإشعاره بأنها في انتظاره .
ث?.أشعريه بأنه جزء من حياتك ، وأنه لا يتصور كيفية الحياة من دونه .
ج?.ضعي الوسادة له إن أراد الجلوس ، و اللقمة في فمه حين الأكل .
ح?.وأي معان أخرى ترينها تؤصل الود بينكما .
ثانياً :تأملي ما جاء عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) ( متفق عليه ) .
فكم من هَمٍّ حملته خلال حياتك الزوجية !!؟ وكم من جهد بذلته !!؟ وكم من نصب ووصب !!؟ كل هذا تكفير للخطايا ، كل هذا رفعة في الدرجات عند قيوم الأرض والسموات ، كل هذا أجور يكتبها الله لك إذا كنت صابرة محتسبة حافظة نفسك وزوجك في الغيب راضية بما قسم الله لك ؛ لذا اجعلي شعارك " لا حول ولا قوة إلا بالله " فعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة ) ( رواه البخاري ومسلم ) .
ثم أكثري من الدعاء في صلواتك وخلواتك وفي آخر الليل ، سلي الله بقلب صادق ، وبنفس خاشعة ، وعين دامعة ، تذكري قدرته سبحانه وضعفك ، وغناه وفقرك ، وكرمه وحاجتك ، سلي الله لك ولزوجك سعادة أبدية ، وطمأنينة في حياتكم الزوجية ، سليه أن يؤلف بين قلبيكما على الخير ، سليه أن يصرف عنكما شياطين الإنس والجن ، سليه أن يرزقكما الذرية الصالحة ، وأن يفرج همكما ، وينفس كربكما ، ويَقض دينكما .
ثالثاً :وعين الرضا عن كل عيب كليلة . . كما أن عين السخط تبدي المساوي " ؛ ولذا فمن الأهمية أن تنظري إلى الصفات الإيجابية في زوجك ، وتستمتعي بها ، وتجعليها هي الصورة الماثلة لديك عنه ، وأزيحي الصور السلبية القاتمة . . " فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها . . كفى المرء نبلاً أن تُعد معايبه " ؛ فاسعدي بزوجك ؛ فليس للمرأة كل يوم زوج .
ثم تأملي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم . قال : ( ما هذا يا معاذ ؟ ) قال أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فلا تفعلوا فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ) ( حسن صحيح الإرواء 55/7 -56 ، الصحيحة 1203 . والقتب : ما يوضع على سنام البعير تحت الراكب. (
ولاحظي أن عدم تمكين زوجك منك معصية لا يجوز لك القيام بها ؛ لأن لزوجك عليك حقاً عظيماً ؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) ، وفي رواية أخرى : ( والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها ) متفق عليه .
وختاماً: أسعدك الله في الدنيا والآخرة، وألف بين قلبك وقلب زوجك على الخير، ورزقكما الذرية الصالحة، والله أعلم، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .